خواطر «طويلة ومتشابكة.. كقرون الأيل!»
في فيلم «شجرة الصفصاف» للمخرج الإيراني الرائع مجيد مجيدي، يستعيد البروفسور والأستاذ الجامعي الأعمى يوسف بصره بعد عملية جراحية في باريس. ويأخذه الفرح وهو يشعر بالضوء للمرة الأولى في حياته، فيخرج إلى الكوريدور وهو مأخوذ ومضطرب من فرط الحبور والسعادة، ثم يرى صورته على جدار المشفى اللامع، فتخلتط مشاعره بالإرباك والخوف والدهشة المؤلمة..
بحاجة ماسة أن يرى الواحد منا صورته!
***
يعود يوسف إلى مدينته ويستقبله أقاربه وأصدقاؤه وطلابه بحرارة، ويبدأ بالتعرف عليهم. وبعد احتفاله معهم، يعود مع زوجته إلى البيت بالسيارة. وعلى أطراف الحارة تخبره الزوجة: هذا الفرن، وهذا محل البقالة، وهكذا. ينزل يوسف من السيارة ويتأمل الأماكن التي عاش فيها زمناً طويلا وعرف جميع تفاصيلها وهو غارق في ظلام دامس. الأعمى الذي طالما أدار جميع شؤون حياته، وعرف كيف يعود إلى بيته، أخطأ وهو مبصر بمعرفة منزله..
***
ليس بالضرورة أن الحواس تمنحنا المعرفة، بل إنها أحيانا تحجب عنا الحقيقة!
***
يقرر يوسف مع عودة البصر إليه أن يغادر الوظيفة التي يحلم بها الجميع: الأستاذية. ويفكر بالبحث عن أية مهنة أخرى تمنح الحياة طعمها الحقيقي ونكهتها الآسرة، والأهم سرها الأعمق. أية مهنة: حداد، مزارع، سائق باص. يوسف يترفع عن الأستذة التي يحسده عليها الكثيرون، والتي يطمح إليها الكثيرون.
***
طبعا ليس كل أستاذ أعمى، لكن الكثير من الأساتذة عميان!
***
يربك النظر يوسف، يصبح شخصاً بحواس خمس، وهو الذي عاش أعوامه الأربعين بأربع حواس، وتبدأ خبراته بالتصادم، ومشاعره بالاختلاط، ويقع في حب طالبته الجميلة، ويتحول منزله إلى جحيم عائلي بعد أن كان جنة وارفة بفضل.. العمى.
***
ليس النظر هو المهم، بل.. النظرة الصائبة!
***
الحواس الخمس التي تعلمناها في كتب المدرسة: الحواس الخمس: السمع والبصر واللمس والشم والذوق.. تربطنا بهذا العالم بطريقة «سلبية» هي نوافذ تمدنا بالمعلومات التي تكشف عن طبيعة الأشياء. لكن المثير في الموضوع أن الصينيين يقرؤون في كتبهم عن الحواس العشر. والحواس العشر هي بالإضافة إلى الحواس الخمس التي عندنا وعند الآخرين: اليدان والرجلان واللسان والأعضاء التناسلية وفتحة الشرج.
***
الحواس الصينية الخمس الإضافية.. تؤثر بالعالم وتغيره!
***
للتوضيح أكثر. حواسنا الخمس تترك تأثير العالم والواقع والمحيط علينا، بينما الحواس الصينية تعكس تأثير الإنسان على العالم والواقع والمحيط والطبيعة. اليد تعمل أو تغير أو تخلق أو تدمر، والرجل هي وسيلة الانتقال، المشي والحركة، واللسان (الذي يحتوي على الحليمات الذوقية) هو وسيلة الكلام والتخاطب، والأعضاء التناسلية هي وسائل توالدنا وتكاثرنا واستمرارنا في هذه الحياة، والشرج...
***
معلوم أن هنالك أشخاصاً وظيفتهم وهوايتهم هو ملء العالم.. بالخراء!