عودي غداً...
يصدح صوت المنبه في غرفتي.. يوقظني، يحمل اليوم الرقم 16 من أيام اعتدت فيها سماع هذا الصوت في التوقيت الصباحي نفسه، لكن اليوم له طابع مختلف، أشعر فيه بتفاؤل كبير لأنني بالأمس استكملت جميع الأوراق المطلوبة في الحصول على عقد موسمي، أسعى وراءه منذ زمن
وأهم أوراقي كانت موافقة الوزير وتوقيع الإدارة العامة للوزارة عليها.
يوم ربيعي مشرق، بدأته مع رائحة القهوة وصلوات أمي ودعواتها لي بالتوفيق في الحصول على وظيفة. كنت أحمل معي جرعة من التفاؤل وأنا أركب السرفيس مسرعة. وصلت وجهتي حيث الأمل المنتظر بالحصول على عمل، صعدت درجات البناء مسرعة، ودقات قلبي تسبقني.
استقبلتني السكرتيرة بابتسامة جميلة زادت من تفاؤلي، حييتها بثقة، وقدمت طلبي «أريد توقيع مباشرة بالعمل في العقد الموسمي عندكم وهذه أوراقي كاملة».
بادرتني السكرتيرة: «أهلاً.. ولكن المدير مسافر وأظن أن الدائرة اكتفت من العقود».
ابهتت ابتسامتي ولكنني أكملت: «لقد عينت عندكم، ما العمل الآن؟».
جاوبتني بلطف دون أن تتوقف عن التحديق بي: «لا أعرف». بعد قليل من الصمت تداركت نفسي قائلة: «ساعديني أرجوك فانا بحاجة لهذا العمل».
تأملتني قليلاً ثم أخذتني إلى نائب المدير عله يجد لي حلاً. نظر الرجل في الأوراق وقال: «ليس لدينا شواغر» وتابع النظر في الأوراق بين يديه، آملاً أن أنصرف، لكنه تفاجأ بتسمري أمامه، أكدت له بكثير من الإلحاح أنني أريد حلاً بديلاً، فأنا فعلاً بحاجة لهذا العمل. وبعد أن صمت للحظات رد عليّ قائلاً: سوف أرسل أوراقك إلى دائرة أخرى، عل وعسى يكونوا بحاجة لكوادر عندهم، عادت لي أنفاسي بعد انقطاع شكرته، وأسرعت لأتابع الموضوع.
قدمت أوراقي للمدير الآخر الذي انتفض غاضباً دون تبرير قائلاً: «ومن قال لك أني بحاجة لموظفين، ألا تفهمون، لا أريد أي موظف عندي..»، وأرعد وأزبد. لم أنطق بحرف لكن ربما كانت معالم وجهي تتكلم وحدها، لأنه خفف من حدة كلامه وطلب مني الجلوس بينما انتابني غضب كبير وحاولت تمالك نفسي وهممت بالخروج وسمعته يقول: أنت لست معنية بهذا الموضوع ، كلامي للموظفين.....
عندها التفتُّ إليه قائلة: أننا بشر متساوون وجلوسك على هذا الكرسي لا يعطيك الحق أبداً بالصراخ وتحقير الآخرين، وفي النهاية أنت لست سوى موظف، وهذا العقد موقع من الإدارة العامة وقبلها من وزيرك، واستدرت مرة أخرى لأخرج، تاركة أوراقي على مكتبه. تفاجأ بجوابي وفتح عينيه ونظر في أوراقي ثم قال: «اتركيهم وعودي غداً؟» سألته: «ولماذا؟!»، أجابني بامتعاض: «لنشوف»..!!.
شعرت بالغضب يأكلني وعدت للبيت أفكر بسوداوية، ماذا يريد قوله غداً؟
عدت في صباح اليوم التالي تملؤني السوداوية، وكانت المفاجأة تنتظرني فقد وقع المدير أوراقي..!!. لم أفهم في البداية، ولكن معاملة السكرتيرة لي ومحاولتها معرفة «واسطتي» أوضحت المفارقة وأجابت على تساؤلاتي.
وبقي سؤال يحرقني، في كل مرة أعيد الكرة للبحث عن عمل إلى متى سيفرض عليّ المحاربة والقتال للحصول على وظيفة صغيرة بعقد مؤقت؟!.