يوميات تلميذ في مدرسة سومرية
من أطرف اكتشافات علماء الآثار في وادي الرافدين رسالة مدونة على ألواح الطين تحكي حالة تلميذ في مدرسة سومرية جنوب العراق . وتبين هذه الرسالة التي تعود إلى 4000 سنة ألفها مدرس مجهول الاسم من أساتذة «بيت الألواح»، بكلماتها وعباراتها الواضحة البسيطة كيف أن الطبيعة الإنسانية باقية ما تزال كما هي و لم تتبدل
لم تختلف حياة التلميذ السومري كثيراً عن التلميذ الذي يعيش في عصرنا اليوم، فهو يخشى إن تأخر عن موعد بدء الدرس أن يضرب بالعصا. ويستيقظ في الصباح الباكر يحث أمه أن تهيئ له طعامه على عجل. وفي المدرسة نجد المعلم ومساعده يضربون التلميذ كلما أساء السلوك.
يبدو أن حال المعلم السومري ومعاشه كان ضئيل القدر لا يسدّ الرمق كحال زميله المعلم في أيامنا هذه، وكان يسعده أن يحصل على بعض العون من آباء التلاميذ.
تحتوي الرسالة حواراً يبدأ بسؤال التلميذ: إلى أين كنت تذهب منذ أيامك المبكرة؟ كنت أذهب إلى المدرسة. وماذا كنت تفعل؟ يجيب التلميذ إجابة تشغل أكثر من نصف محتويات الرسالة حيث يقول: كنت أستظهر لوحي وآكل طعامي وأهيئ لوحي الجديد لأكتبه. وبعد العصر أنصرف من المدرسة، أطلع أبي على درسي المكتوب، ثم أستظهر له لوحي فيسر أبي لذلك. وفي اليوم التالي أعود إلى المدرسة متأخراً من أجل رغيفين من الخبز، تأخرت أمي في خبزهما على التنور أدخل الصف وأنا وجل خافق القلب في حضرة مدرسي، وأحييه باحترام.. الخ.
وسواء قدم ذلك التلميذ تحيته أم لم يقدمها فإن يومه كان عصيباً، فقد تلقى الضرب بالعصا من أجل ما ارتكبه من هفوات كالتكلم والقيام في الصف والخروج..ووبخه المعلم قائلاً: إن خط يدك في الاستنساخ رديء غير مرض، وضربه بالعصا من أجل ذلك. طفح كيل الصبي، فأشار على أبيه ناصحاً إياه بأن خير ما يفعله أن يدعو المدرس إلى بيته ويسترضيه ببعض الهدايا. وربما تعتبر هذه أول حالة مدونة عن التملق أو مسح الجوخ في التاريخ. استمع الأب إلى نصيحة ابنه التلميذ.
جاء المدرس وبعد أن دخل البيت أجلسوه في أشرف مكان، وقام التلميذ على خدمته، فقدم الطعام والشراب وكسا الأب المعلم حلّة جديدة ووضع خاتماً في إصبعه. طابت نفس المعلم من هذا الإكرام وحسن الضيافة فأخذ يطمئن التلميذ قائلاً بلغة شعرية: أيها الفتى، لأنك لم تهمل قولي ولم تنبذ إرشادي، عسى أن تبلغ أعلى المراتب في فن الكتابة، وتبلغ الذرى بين طلاب المدرسة، حقاً لقد أحسنت إنجاز أعمال المدرسة وأصبحت طالب علم مجد.
تنتهي الرسالة بهذه الكلمات المشجعة المليئة بالتفاؤل والأمل. لم يكن الأستاذ الذي كتبها ليحلم بأن قطعته الأدبية التي ألفها في الحياة المدرسية كما شاهدها في زمانه، ستبعث حية بعد أربعة آلاف عام، على يد عالم الآثار صموئيل نوح كريمر حيث عرضها في كتابه الجميل «من ألواح سومر». وهذه الرسالة متداولة، فهناك ما لا يقل عن إحدى وعشرين نسخة منها، متفاوتة في حالاتها من حيث الكمال والحفظ . منها ثلاث عشرة نسخة في متحف الجامعة في فيلادلفيا وسبع نسخ في متحف الشرق القديم في إستنبول وواحدة في متحف اللوفر في باريس.