«جفرا».. عروس مخيم العائدين
في زحام قصص الحرب الموحشة.. في الحرب التي دخلت من كل الأبواب بصخب ودموية، لتجعلنا نفقد أي خيط من الأمل بالجمال والخلق، وفي أكثر المدن معاناة في سورية.. يبقى هناك بعض الأمل، والأمل هنا هو «جفرا»..
جفرا ليست شهيدة فلسطين فقط وإنما هي عروس مخيم العائدين في مدينة حمص، جفرا.. غبار الرحيل والنزوح.. عطر جديد، جفرا ابنة فلسطين التي نسجت تراثها على قصص الحب مع النزوح، تترك اليوم حدادها وتخط أولى نغماتها في مخيم العائدين في مدينة حمص الهائمة على الذكريات والمنهكة من الحواجز والمدافع التي تضرب صدرها كل يوم.
تبدأ قصة «جفرا» الجديدة، الفرقة الموسيقية، على يدي بعض الشباب، ضمن إمكانيات مادية محدودة جداً، أسسوا فرقتهم للفن الملتزم، قبل ثلاث سنوات من الأزمة السورية من مجموعة من الأطفال والشباب الباحثين عن ركنهم الخاص والدافئ الذي سيحلقون من خلاله في فضاء الفن الأصيل والكلمة الملتزمة وينثرون عبرها معاني الحب والجمال لكل من حولهم.
تصدح هذه الفرقة بأغاني أم كلثوم وفيروز وعبد الحليم ووديع الصافي، بالإضافة لأغاني التراث الفلسطيني والأردني والسوري بحناجر غضة متقنة الأداء، وتشكل أنامل أطفالها على آلاتهم الشرقية قطعاً تكنيكية عالية. يحيون القصبجي وعبد الوهاب في أمسيات مدعومة من شخصيات دون أي شروط مسبقة. هنا في مخيم العائدين دفنت لغة الحرب وصدحت حناجر أطفال الشتات تغني «ليه تلاوعيني، وأنت نور عيني، على بلد المحبوب، هدي يا بحر هدي ، ويلي لو يدرون» وعدد لا يحصى من الإنتاجات الموسيقية الهامة.
استمرت الفرقة في العمل والنشاط والتدريبات في غرف صغيرة في مخيم العائدين في حمص، مستهدفة نسج ثقافة موسيقية أصيلة يمارسها أطفال صغار، فتصبح جزءاً من تكوينهم، في زمن تشتد الحاجة فيه لتوثيق وإعادة إحياء التراث الذي يجهله الغالبية من أقرانهم. مما يؤسس لإمكانية خلق وإبداع فن موسيقي مطور ومصقول ومرتكز على ما صنعته الموسيقا العربية وما خلفته من تراث وإبداعات تشكل كنزاً خيل إلينا أنه يفنى يوماً بعد يوم.
أقامت الفرقة العديد من الحفلات حسب صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى أخرى أقيمت في مراكز للإيواء لاستمرار إرسال صوت الحب والسلام كما وعدوا. ويتكلم أفراد الفرقة باللكنة الفلسطينية عن غرفتهم الصغيرة حيث تتم تدريباتهم في مخيم العائدين «من هون.. من هاي الغرفة عم نقهر الموت، عم نقهر الوجع والبعد، عم نقهر الكره»..