بالزاوية : أسئلة ملحة

بالزاوية : أسئلة ملحة

كان‭ ‬المفكر‭ ‬العراقي‭ ‬الراحل‭ ‬هادي‭ ‬العلوي‭ ‬يتخذ‭ ‬موقفاً‭ ‬صارماً‭ ‬جداً‭ ‬عند‭ ‬سؤاله‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬الثقافة‭ ‬والمثقفين‭ ‬عموماً،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬ويؤكد‭ ‬قائلاً‭:‬‮«‬‭ ‬سبقني‭ ‬إلى‭ ‬معاداة‭ ‬المثقفين‭ ‬شيخنا‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬لينين‭ ‬الذي‭ ‬اتهم‭ ‬المثقفين‭ ‬بالرخاوة‭ ‬والروح‭ ‬البرجوازية،‭ ‬وهذا‭ ‬الوصف‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية،‭ ‬ومثقفونا‭ ‬العرب‭ ‬غربيون‭ ‬في‭ ‬جملتهم،‭ ‬وعدائي‭ ‬لهم‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬عدائي‭ ‬للثقافة‭ ‬الغربية‮»‬‭.‬

لعل‭ ‬الانطلاق‭ ‬بنقاش‭ ‬المسألة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬سيكون‭ ‬أرقى‭ ‬وأوسع‭ ‬منصة‭ ‬يمكن‭ ‬الاستناد‭ ‬إليها‭ ‬اليوم‭ ‬للإجابة‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬الملحة‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬رأسها‭: ‬

كيف‭ ‬يمكن‭ ‬إنتاج‭ ‬مشروع‭ ‬ثقافي‭ ‬عصري‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬حاجات‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬والتنمية‭ ‬الحقيقية؟‭ ‬مشروع‭ ‬يقاتل‭ ‬على‭ ‬جبهتين‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬مقاومة‭ ‬الغرب‭ ‬الإمبريالي‭ ‬بكل‭ ‬ملحقاته‭ ‬ومفرزاته‭ (‬الثقافية‭) ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وإدامة‭ ‬الاشتباك‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬المحلي‭ ‬الحالي،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تعرية‭ ‬وفرز‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬هجين‭ ‬ومختلط‭ ‬بين‭ ‬الموروث‭ ‬وبين‭ ‬منتجات‭ ‬عهود‭ ‬الإرهاب‭ ‬الفكري‭ ‬والسياسي‭ ‬للسلطات‭ ‬الرسمية‭ ‬أو‭ ‬القوى‭ ‬الرجعية‭ ‬والتكفيرية‭ ‬التي‭ ‬نمت‭ ‬في‭ ‬ظلها‭. ‬

يميز‭ ‬هادي‭ ‬العلوي‭ ‬بين‭ ‬حدين‭ ‬للثقافة‭ ‬المعاصرة،‭ ‬هما‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬الحديثة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية،‭ ‬فالثقافة‭ ‬الحديثة‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬أساساً،‭ ‬لكنها‭ ‬احتوت‭ ‬على‭ ‬جانب‭ ‬معرفي‭ ‬واجتماعي‭ (‬طبقي‭) ‬لم‭ ‬يقطع‭ ‬صلته‭ ‬بالتراث‭ ‬الشرقي‭ ‬المشاعي،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬الأوربية‭ ‬الحديثة‭ ‬أحد‭ ‬مصادر‭ ‬وجذور‭ ‬الاشتراكيين‭ ‬الأوربيين،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬معادية‭ ‬للرأسمالية‭. ‬بينما‭ ‬تتكثف‭ ‬في‭ ‬المقابل‭  ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬محصلتها‭ ‬لتكون‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬نحن‭ ‬شعوب‭ ‬الجنوب‭ ‬الفقير‭ ‬معادية‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الخط‭. ‬

وربما‭ ‬لهذه‭ ‬الأسباب‭ ‬سيكون‭ ‬لزاماً‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬مشروعها‭ ‬الثقافي‭ ‬الوطني‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬التحولات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بالمنطقة‭ ‬أيضاً‭ ‬بين‭ ‬حدين،‭ ‬الأول‭ ‬لا‭ ‬يغفل‭ ‬صلته‭ ‬بتراث‭ ‬المنطقة‭ ‬خصوصاً‭ ‬والتراث‭ ‬العالمي‭ ‬وتجارب‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬ويأخذ‭ ‬منه‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬فيه،‭ ‬بينما‭ ‬يأخذ‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الحاضر‭ ‬فيتمكن‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬المستقبل‭.‬