«حياة متدرّج» وحكاية تبلور الوعي الطبقي
ترسم رواية «حياة متدرّج» للكاتب «ابراهيم جديد» كأول عمل روائي له، حكاية شابّ في مقتبل العمر ورحلته من الضيعة إلى العاصمة؛ حاول أن يوحي للقارئ منذ الوهلة الأولى بأنها قصة حقيقية أشبه بالمذكّرات أو بالسيرة الذاتية، تعيدنا إلى أواخر الخمسينيات وحتى أواسط ستّينيات القرن الفائت.
أحداثها تدور ما بين الساحل السوري والعاصمة دمشق. بطلها «إسماعيل» الشاب الجاهل الأمي القادم من ريفٍ متخلٍّف بسبب سياسات التهميش والإهمال. والذي لا يعرف من الجغرافيا أكثر من حدود قريته. ولا من التاريخ أكثر من شخوص محيطه المحدودين. يُستدعى إلى الخدمة العسكرية، وهنا يمتعنا الكاتب «إبراهيم جديد» بذكر تفاصيل غربة اسماعيل عن كل ما يصادفه بعد مغادرته لقريته، بدءاً من عبارة «الخدمة الإلزامية» مروراً بـالمطعم والتلفون.. وانتهاءً بالباص الذي يقلّه إلى دمشق. كرجلٍ تم إحضاره من غابات المشاعية البدائية إلى منطقة تعجّ بالحضارة والمدنية.. كل ذلك بأسلوبٍ متقنٍ شيّقٍ أخّاذ.
يدخل هذا الشاب إلى السجن بتهمة ظالمة من الضابط الذي كلّفه بالعمل لديه كخادم في بيته. ويكون حظه أن يتم زجّه بزنزانة يقبع فيها معتقل سياسي «الأستاذ سليمان» الذي يعلّمه القراءة والكتابة وصولاً إلى حصوله على الشهادة الإعدادية. وينهل من أستاذه بذور المعرفة، وتتعزّز لديه مشاعر العدالة الاجتماعية، ويزداد سخطه على واقعه المرير.
بعد سنتين يتم إخلاء سبيله ويعود مجدداً إلى قطعته العسكرية لإكمال خدمته فيها. ويرصد الكاتب مجد الرومانسية العاطفية في علاقات الحب الساحرة آنذاك، حيث تشتعل في غياهب روحه قصة حب مؤثرة بينه وبين «نوال». ويتزوجا ضاربين عرض الحائط بالعادات والتقاليد والطقوس الدينية. ومن خلال تعرّفه على الضابط الثائر «أديب» الذي يساهم إلى جانب ما بدأه المعتقل السياسي الأستاذ سليمان، مهمة تلقينه مبادئ الاشتراكية وإذكاء روح الثورة في كيانه. فتتملّكه نيران التمرد على واقعه ضد الطغيان. وينخرط مع رفاقه بالتحضير للثورة ضد الظلم والفقر والاضطهاد. ومتابعاً في الوقت عينه تحصيله العلمي. فينجح بالبكالوريا ويسجل في الجامعة قسم الفلسفة. ويشارك مع رفاقه بالقيام بالثورة ضد نظام الإقطاع وأغواته. ليفاجئنا في خاتمة الرواية بأحداث تراجيدية أقرب إلى الأفلام الهندية من حيث الإدهاش الموجع عن طريق الصدمة العاطفية المؤثرة. والتي برأيي لم يكن مضطراً إليها.
بقي أن نطرح بعض التساؤلات: «بطل الرواية وحيد لأبويه، ومع ذلك يتم استدعاؤه إلى الخدمة العسكرية!» و«هل تسمح الأنظمة لدى وزارة المعارف سابقاً ووزارة التربية حالياً، بالتحرر من الأمية وبالحصول على الشهادتين الإعدادية والثانوية خلال ثلاث سنوات، ومن دون أن يمرّ بالمرحلة الابتدائية؟»
ومع ذلك، فإن ««حياة متدرّج»» تُعدّ رواية ممتعة تهز قارئها من الأعماق، خطّتها يد رفيق من أوائل من حمل راية الشيوعية في منطقته. لا يشوبها سوى بعض الأخطاء النحوية والمطبعية. وربما استعجل كاتبها بنشرها، دون أن يعرضها على مدقق لغوي، خشية أن تستعجله يد القدر وتغيّبه عن دنيانا.
تقع رواية «حياة متدرّج» في 381 صفحة – الطبعة الأولى 2013 - إصدار دار التكوين للنشر والتوزيع.