الساعة 12 بتوقيت دمشق
لماذا كان على ساندريلا أن تنزل الدرج مسرعةً وتضيع حذاءها، قبل أن ينتصف الليل عند الساعة الثانية عشرة، ألم تستطع الساحرة منحها المزيد من الوقت حتى الواحدة أو الثانية فجراً، كي تستمر في الرقص مع الأمير وتخرّب تتمة الحكاية؟
ليست الساعات سوى نظام لترميز الزمن وتقطيعه والسيطرة عليه بحشره ضمن ساعةٍ رملية أو تعليقه على الحائط. ولأن الإنسان لا يستطيع إيقاف الزمن أو استبقاءه، يكتفي بتتبعه ورصد تحركاته. إلا أنه، ودون أن يدري، يقع حبيس نظام ترميزه الخاص، الذي يبدو أحياناً أزلياً، كليّ السطوة، سابقاً للزمن ذاته.
للساعة الثانية عشرة ليلاً بريقها الخاص؛ هي ليست واضحةً كمثيلتها التي تنصّف النهار، ليست حياديةً كالرابعة ظهراً، أو مبكرةً كالخامسة فجراً. هي الحد الفاصل بين الحقيقة الفجة والحلم.
تثير الساعة 12الأخيرة من الشهر الأخير في العام جلبةً من نوعٍ مختلف، جلبةً أزعجت أحد الشبان المغرقين في «علميتهم» وواقعيتهم، بحيث صرخ بالمحتفلين فجأةً «كل ما في الأمر أن كوكب الأرض أتم دورةً كاملةً حول الشمس، ولم يتغير أي شيٍ في مسار الكون! توقفوا عن إصدار الضجيج!!». كان للحالمين رأيٌ مختلف؛ هم يحتاجون إلى بدايات أو انهاياتٍ إصطلاحية. يحتاجون أداة لقياس الخيبات والأحلام والابتسامات، يحتاجون إيقاف الزمن إفتراضياً والنظر إليه من بعيد.
لطالما بدا غريباً تجسيد الزمن ليلة رأس السنة بحيث يكاد يلمس في اليد؛ ذلك الإنقلاب المفاجئ بين عامٍ وآخر في الوقت الذي يبدو فيه الكون ثابتاً هادئاً كأن شيئاً لم يتغير. حينما يرغب الأصدقاء والأخوة بعناق بعضهم البعض عندما تعلن الساعة منتصف الليل، كأنهم إلتقوا محض مصادفة.
الأطفال يقاومون النعاس الذي يغالبهم ويثقل جفونهم لأنهم وكالجميع يريدون أن يشهدوا لحظة الانقلاب. يخفون بمهارةٍ خيبتهم تحت وابلٍ من الصراخ والضحكات على غرار الكبار من حولهم، حتى لا يفتضح أمرهم، ويكتشف الكبار أنهم أغفلوا التقاط «اللحظة».
في سورية بدت الحرب لوهلةٍ كما لو أنها أخلت بنظام الترميز هذا، أحصى السوريون طوال عام أيامهم بصورة مختلفة، إلا أن «رأس السنة» استطاع بشكلٍ آخر تذكيرهم بنظام الكون، وأنهم بآلامهم وصراعاتهم وبلادهم الصغيرة جزء من كوكب يدور. اختار بعضهم أن يعبروا العام الجديد نياماً، وحاول آخرون حشد ما اتيح لهم من فرح، مرت ذكريات العام المنصرم كألبوم صور، وتوقفت طويلاً عند صور الأحبة، جاءتهم الأصوات بعيدة مشوشة من بلادٍ بعيدة. ربما يقبلون أن تكون هذه الليلة نهايةً لعامٍ من آلامهم حتى لو إصطلاحاً، «غداً يومٌ آخر» قالوا في سرّهم، شردت أفكارهم وغابوا لحظة عما حولهم قبل أن يوقظهم الضجيج في الخارج، إنها الساعة الثانية عشرة بتوقيت دمشق.