أغنية راب.. وطنية
«إن نضالي الشخصي ضد الإرهاب يتركز حول الإرهابي الأكبر في الولايات المتحدة الأمريكية ، باراك أوباما، أنا أحاول القضاء على الإرهاب الذي يسبب بقية أنواع الإرهاب الأخرى، فأصل الشرور في مجال مكافحة الإرهاب هو التصرفات التي تقوم بها حكومات الولايات المتحدة الأمريكية ، إنها السياسات الخارجية لتلك الحكومات التي تحفز أياً كان لكي يصبح كما يقولون: إرهابياً»..
هذه الكلمات ليست لشخص قد تعرفونه، وربما لم تروا صورته على أي شاشة تلفاز، فهو ليس سياسياً كبيراً أو محللاً استراتيجياً مرموقاً، إنه مجرد مغني راب في أمريكا، يدعى «لوب فياسكو»، ولمن يريد معرفته فليتابع تسجيلاً لحفلة إعادة انتخاب الرئيس أوباما الأخيرة في واشنطن، عندما فاجأ الجميع بصعوده على المسرح، وإلقاء أغنيته السياسية الأكثر شهرة: «كلمات لم أقلها» على جموع المؤيدين للرئيس الأمريكي، لكن الأمر لم يستمر طويلاً فقد قامت عناصر الحماية الشخصية للرئيس بإنزاله عن المسرح بالقوة، كان هذا بعد أدائه للجمل الأولى من أغنيته تلك: «كانت غزة تقصف .. لم يقل أوباما شيئاً.. لن أصوت له.. ولا لأي أحد آخر أيضاً» !!
يبدو من الطبيعي جداً ألا تحتل صورة هذا المغني أي مساحة على أي شاشة أو حائط رقمي، إنه التغييب الممنهج للصوت الخارج عن سطوة الحكومة الأمريكية، فاسم «لوب» ليس جديداً على الساحة الغنائية الأمريكية، وله جمهوره الواسع الذي يتابع له كل جديد على صفحات الانترنت، ويبدو أن لديه الكثير ليقوله من خلال أغانيه أو حتى مقابلاته. ويذكر معجبوه مقابلته الشهيرة في صحيفة الغارديان عام 2008 التي تحدث فيها عن أصوله الفقيرة و مدى التأثير الإيجابي لأبيه العامل على حياته، كما تحدث عن نشأته في ولاية شيكاغو صاحبة الأرقام القياسية في معدلات الجريمة وتعاطي المخدرات، وكان فخوراً جداً بذكرياته مع أبيه ومساعدته في جمع أهالي الأحياء الشعبية حول نشاطات ثقافية رياضية مجانية، وجهود عائلته في توعية الشباب ضد شرور المخدرات وبيوت الدعارة.
لكن يحق للمرء التساؤل، هل يملك مغني راب هذه السلطة الكبيرة على الجمهور؟ لدرجة تستوجب على الحكومات الأمريكية محاربته بهذه الشراسة بسبب آرائه هذه؟ يأتي الجواب ببساطة على شاشات التلفزة الأمريكية الكبرى، والتي تعمل غالباً على تشويه الحقائق اليومية واستبدالها بنسخ استهلاكية مشوهة، ففي مقابلة نادرة لـ «لوب» على شبكة فوكس نيوز، هذه الشبكة التي قالت عنها إحصائية عام 2011 لجامعة «فارلي ديكنسن» الأمريكية بأن متابعي أخبارها هم أقل معرفة بما يحدث في العالم من أولئك الذين لا يملكون تلفازاً على الإطلاق!!، حاول المذيع هناك وبعناد مستغرب الحط من شأن أغاني «لوب»، وما تحمله من معان مناهضة للسياسات الأمريكية الخارجية، ولم يكتف بمقاطعته أكثر من مرة، بل دافع بشراسة عن الرئيس الأمريكي ونصح المغني الشهير بالابتعاد عن تضمين المعاني السياسية في أغانيه لأن البعض «لا يملك شهادة دكتوراه لفهمها» على حد قوله، وهنا استشاط «لوب» غضباً وقاطع المذيع بنزق موضحاً أن الأمر لا يحتاج لشهادات علمية كي يفهم الجميع حقيقة ما يجري، وأكد قائلاً «إنكم توهمون الجميع بأن السياسة لغز صعب عصي على الفهم، قلتها وأعيد قولها، الرئيس الحالي أوباما ومن سبقه ومن سيليه هو سبب الإرهاب، إنه لا يعرف التعريف الأصدق للإرهاب: الخوف المسلح ، نحن نخلق الخوف ونأتي لنتعامل مع نتائجه.. وبالقوة!».
نعم، يبدو أن هناك تأثيراً واسع النطاق لرموز ثقافة الراب في أمريكا، وهذا ليس بالأمر الجديد، لكن من المثير للاهتمام متابعة أخبار الجيل الأحدث من المغنين الشباب وتأثيرهم السلبي على الجيل الشاب، حيث يعد «جي زي» على سبيل المثال من أشهر المغنين الأميركيين، ويملك العديد من الجوائز الفنية التي أكسبته شهرة عالمية، لكنه أيضاً الوجه الإعلامي لكوكا كولا، وماكدونالدز، والعديد من شركات الكحول الأمريكية، وها هو الآن يظهر على جميع الفضائيات ليحث «قومه» من السود الأمريكيين وبدون خجل على تناول تلك الأطعمة، دون أن يهتم لنتائج الدراسات الغذائية الأخيرة التي وضعت السود الأميركيين في المرتبة الأولى من حيث الإصابات بالسمنة المفرطة وأمراض السكري والقلب والإدمان المزمن على الكحول.
إنه الاستثمار الأمثل لتلك الشركات، فلا ضير لديهم من استغلال تلك الرموز الشبابية لتسويق منتجاتهم وحرفهم عن سبل المعرفة الحقيقية، ليتحول الجميع في النهاية إلى قطيع كبير يجلس يومياً أمام التلفاز وصفحات الانترنت يجذبه السخيف من الأخبار على حساب وعيه بحقائق الأمور، وهو يحتسي زجاجة كبيرة من الكوكا كولا!!.