بالزاوية : رجوع أم مراجعة
هل تتذكرون أين سمعتم للمرة الأولى بتلك الحكمة الشهيرة: الرجوع عن الخطأ فضيلة! على الأرجح كان ذلك في المدرسة، وربما في كتاب أدب، ومن الممكن أن تكون قد عبرت أحدى المواعظ التربوية من الأهل أو المعلمين أثناء استجواب هادئ.. !!.
وقبل أن يلجؤوا إلى وسائلهم التقليدية في «التربية»..!!.
هكذا تداعت هذه الفكرة أثناء متابعة ندوة سياسية عبر التلفزيون السوري راحت فيه المذيعة وضيوفها من المحللين يدوّرون أوجه القضية، ويُعْملون الفكر لتفسير التغيرات الأخيرة في مواقف الدول الغربية من الأزمة السورية، وانكفائها في ظل تغير موازين القوى الدولية، وترافق ذلك تلقائياً بالتراجع عن المواقف «المتشددة» عند بعض القوى السياسية التابعة، واستنتج «الجماعة» في نهاية ندوتهم أن الغرب عموماً سيعيد النظر بمواقفه من الأزمة السورية..!! فما جرى هو مجموعة «أخطاء» ارتكبها قادة الغرب برعونة وحماقة، ولمَ العجب؟ فهؤلاء القادة لا يقرؤون التاريخ..!! ثم أن الرجوع عن الخطأ هو فضيلة في جميع الأحوال..!!.
لكن وبعيداً عن التسطيح الذي تمت فيه معالجة المسألة وعن استخدام المثل في غير مكانه، تبرز الأسئلة عن مفهوم التراجع بمعنى الهزيمة والانكفاء، وعن المراجعة بمعنى نقد الأفكار التي أثبتت التجربة عدم صحته. تحت أية عوامل وضغوط موضوعية تتراجع وتهزم الأنظمة والقوى السياسية المختلفة؟ ومتى تبدأ بمراجعة أفكارها ومواقفها السابقة مراجعة حقيقية، تقود في النهاية إلى تغييرات جذرية فيها؟
لا شك أن التجربة العملية هي ما تثبت صحة أية فكرة في النهاية، وأن فشل أية فكرة أو خيار يقتضي بالضرورة المراجعة، لكن التراجع الحقيقي وخاصة على مستوى الدول يبقى محكوماً بعوامل موضوعية أساسها إمكانياتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية في مواجهة الخصوم والمنافسين. والواقع اليوم أن الغرب الإمبريالي محكوم بتراجع حقيقي على جميع المستويات من دون تغيير في نواياه العدوانية، بينما مجتمعاتنا وقواها الحية ملزمة بإجراء مراجعات حقيقية وشاملة تقودها إلى تجاوز أزماتها وبناء مستقبلها بنفسها، وهنا يكون الرجوع عن الخطأ فعلاً فضيلة