برامج تواصل أم «عزلة» اجتماعية ؟
أصبحت برامج التواصل الاجتماعي حاجةً يصعب الاستغناء عنها في زمننا، ولا سيما في الظروف المأساوية التي تشهدها بلادنا.
تؤمن هذه البرامج -وبالأخص تطبيقاتها الهاتفية- إمكانية التواصل خاصة مع انقطاع الاتصالات السلكية في العديد من المناطق بسبب الأوضاع الأمنية والعسكرية المتوترة، ويعدّ الانخفاض النسبي لتكلفتها المادية، حافزاً إضافياً للإقبال عليها من شرائح اجتماعية واسعة وخصوصاً الشابة منها.
تملك برامج التواصل والدردشة نوعاً من الجاذبية والسحر، تؤثر من خلالها على المستخدم وتأسره لساعات طويلة في كل جلسة.
إلا أنه وعلى المقلب الآخر، إذ بدأت بعض الظواهر السلبية الناجمة عن الإفراط في استخدام هذه البرامج تظهر بشكل متزايد خلال الفترة الأخيرة.
ولعلّ أهم هذه الظواهر هي ما يمكن تسميته بـ«العزلة الاجتماعية الاختيارية» والتي تشكّل نوعاً جديداً من العزلة يُضاف إلى «العزلة الاجتماعية الإجبارية» الناتجة أساساً عن حالة الأزمة الراهنة، والمتجسدة بالنزوح والهجرة واللجوء من وإلى أماكن مختلفة.
فإذا ألقينا نظرة سريعة على المدة التي يقضيها مستخدمو هذه البرامج، فسنجد أن قسماً كبيراً منهم يقضي مدةً لا تقل عن 3 - 4 ساعات (متصلة أو منفصلة) يومياً، بل حتى أن بعضهم - والذين يُسمَّون في أوساطهم بـ «المدمنين»- يمضي فترات قد تصل إلى 7 - 8 في اليوم الواحد!!، وقد يقضي «المدمن» منهم أياماً على النت ويملك أكثر من حساب على أكثر من صفحة، دون أن يمارس أي نشاط اجتماعي حقيقي بل يقتصر نشاطه كله على الفضاء الافتراضي والجلوس أمام الشاشة.
ولا تقتصر الآثار السلبية لهذه الظاهرة على الجانب الاجتماعي فقط، بل إنها تمتد لتطال نواحي وجوانب أخرى تصل لدرجة الأذية الجسدية. وتصيب مستخدميها بمشاكل صحية عديدة قد تؤثر في تغيير مجرى حياتهم كلياً ومن خلال طرق متعددة، حيث أنها تؤدي مع مرور الوقت إلى أمراض دائمة لا سبيل إلى علاجها بشكل نهائي، منها آلام المفاصل وخاصة في العمود الفقري والرقبة نظراً لاضطرار ممارسها للانحناء أثناء الدردشة ولفتراتٍ ليست بالقليلة، بالإضافة إلى الإجهاد البالغ الذي يصيب عينيه بسبب اضطراره للتركيز الكبير أثناء قراءته الأحرف والعبارات ذات الحجم الصغير.
فيا أيها المدردشون والمدردشات:
العزلة لا تُواجَه بالعزلة، وصدق المثل القائل: «كل شي زاد عن حَّدو قلب ضدو».