«النزوح» في المسرح
بار صغير في شارع الحمرا ببيروت، يملكه شاب سوري نازح، يفضح السُكر مشاعره، وتوق روحه للسفر إلى الشام وشوارعها، ولكن روحه المتعبة تنسى المرور بالضيعة الأم، حيث ترك فيها أمه الحزينة..
بينما ينقذ، وللمفارقة العجيبة، أم صديقه «البارمان» من تحت الأنقاض.
في العرض المسرحي الذي قدم على مسرح القباني«في بار بشارع الحمرا»، تأليف وإخراج الفنان «كفاح الخوص»، تبرز التناقضات في شخصية هذا الشاب، كونه يشبه أي شاب سوري آخر ربما أسعفه الحظ بحيازة بعض أموال، تخفف وطأة النزوح عليه، وتفتح له باباً يكفيه حاجاته المادية في بلد النزوح القريب الغريب..بيروت «أحلى مدينة بالدنيا»... بيروت التي استقبلت ولكنها لم تحتضن النازح السوري الذي يعذبه اغترابه الثاني بعد أن هجر، مضطراً، اغترابه وعشقه الأول... سورية.
تأتي عبارة «أيام البْلاد» جارحةً لتذكرنا بالحنين الفلسطيني الدائم للبلد والمنزل الأول، في مقارنة مؤلمة مع واقع السوريين الجديد.. إذ بات السوريون يذكرون البلاد بالحنين نفسه والغصة نفس.
تطغى الأزمة في سورية على تفاصيل حيوات هذه المجموعة من الأصدقاء، في محاولتهم التعايش مع واقعهم الجديد، لكنه يتحول إلى معضلة كبيرة. والحل الوحيد يكمن هناك..! في دمشق.. حيث يهدد الجميع بعضهم البعض بالعودة لـ«الشام»، الملاذ الوحيد الذي يشعرهم بأنهم يقفون على أرض صلبة في مواجهة التناقضات المستجدة في علاقاتهم الشخصية وعلاقتهم بالمدينة الأخرى، التي ينتظر أهلها العيد ويريدون الزينة والبهجة أيضاً... ولم لا؟؟ فالحياة مستمرة وأهل المدينة أنفسهم عاشوا مايشبه ذلك قبل سنوات مضت، ولا يريدون ما يذكرهم بالحروب والأزمات.
ويبرز هنا ألم «هادي» الشخصية الهادئة فهذا الرجل يجلس وراءحاجز البار مستمعاً لمشاكل كل من حوله دون أن يتكلم عما يراه، معتقداً أن هذا الحاجز يمكن أن يبعده عن التوغل في مشاكل من حوله، ويجهز زينة العيد رغم علمه بموت صديق «عامر» في الليلة السابقة هناك في البلاد.
وفي إشارة ملفتة، تسقط الزينة من يده في النهاية لأنه مرهق مثلنا جميعاً. ولكنه سيكمل الزينة، وينير شجرة العيد، ويصنع الفرحة لرواد البار، فالعيد قادم.
تأخذ تفاصيل المشاكل اليومية التي تعيشها الشخصيات، المساحة الأكبر في النص، ولكن الصراخ المبالغ به والناتج عن فكرة عدم التوازن والموضوعية في أحاديث السكارى، يثير حالة من الملل وفقدان عنصر المفاجأة وتوقع ما سيحدث في تفاصيل نزاعاتهم. رغم محاولة النص الالتفاف على ذلك، من خلال التلميح مرة أو مرتين إلى صغر هذه المشاكل وتفاهتها أمام مايجري فعلياً على أرض الواقع في سورية.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن عرض المسرحية بحد ذاته، في وقت وصل التأزم فيه ذروته داخل البلاد، يعتبر تحدياً يبعث على التفاؤل والاحترام. وإضافة إلى أداء الممثلين الرائع، قدمت فكرة مشاركة الجمهور واعتبارهم رواداً للبار، من خلال استخدام باب الدخول إلى المسرح كمدخل للبار ليكونوا متابعين فعليين للحدث، فرصة للتفاعل ومشاركة الشخصيات انفعالاتهم وخلق لديهم الإحساس بأنهم جزء من العرض