المثقف القائد.. قيادة المثقف
حمل الحراك الحالي الكثير من التساؤلات، ورفع معها الكثير من الشعارات، وأسقط أخرى، هي حالة غير مستقرة، طرحت قضايا مصيرية، أخفت بين ثناياها مفاهيم فكرية احتاجت وتحتاج للكثير من التدقيق والتمحيص من رواد هذه الحركة «الثورية» من مفكرين ومثقفين،
وذلك لتخليص الحراك الشعبي من بعض العيوب المستجدة أو الموروث البالي الذي يعيق تطوره وتطلعاته إلى ما يبتغيه من تغيير سياسي واقتصادي-اجتماعي جذري وحقيقي، لكن غياب هذا المثقف في بعض الأحيان وحضوره السلبي في أحيان أخرى أصبح العنوان الأبرز للحركة الفكرية العربية في يومنا هذا.
على كل حال تبدو حالة التخبط التي تعانيها النخبة الفكرية العربية انعكاساً طبيعياً لغياب الشريحة ذاتها عن الواقع الشعبي بكل تفاصيله، وكان لا بد للطقس الترفعي السائد بين تلك الأوساط أن يفعل فعلته من تغريبٍ للمثقف عن جمهوره، لذلك نراهم اليوم في تقلبات شبه يومية في المواقف والتحليلات، يميل معظمهم أينما مالت الريح، ويتشبث بعضهم الآخر بوجهة نظره بعناد لا يستند في معظم الأحيان إلا لردود الأفعال أو الأهواء اللا وطنية الرجعية الطائفية أو المذهبية الموتورة حتى أصبح واضحاً بأن هذه العواصف قد فضحت رياء بعض «المتثاقفين» واختبرت بقسوة مدى ارتباطهم بالمبادئ التي لم تهدأ شعاراتها يوماً على شفاههم وما خطت أقلامهم.
وهنا وجد «مثقفو» المرحلة أنفسهم في مهب الريح، غير قادرين على استقراء الحالة الشعبية وتدنت مراتبهم الفكرية من قادة إلى أتباع في شهور قليلة، وأصبحت إعادة التموضع ضرورية لحفظ ما تبقى من ماء الوجه في تملق واضح للقوى «الثورية» المضلّلة في كثير من الأحيان والاستمرار في إسباغ المثالية والمبالغة في الإشادة بمنجزات «الثوار» وما يتخللها من تعتيم وفوضى وشبهات، أو لقوى الفساد المسيطرة في السلطة عن طريق إصدار الأحكام المسبقة سلباً أو إيجاباً. وما زالت الأقوال والآراء تتلاحق وتتدافع ويشد بعضها بعضاً دون أن يتقدم الحراك الشعبي نصف خطوة إلى الأمام.
لا يستطيع أحد ما ادعاء امتلاك الأجوبة المباشرة على جميع التساؤلات التي يرفعها الحراك الشعبي في أكثر من مكان، لكن من غير اللائق الاختباء وراء منطق «وجهة النظر» في زمن ضياع المبادئ وتزييف الشعارات وهوان الخط الوطني على مدعي النضال باسم الحراك الشعبي، والسير على موجة وتيار «التغيير الأوبامي» بعيداً عن المعنى المنشود للتغيير الحقيقي المشرق.
ومن المعيب تاريخياً ترك معظم الشباب الثائر دون أي رؤية سياسية واضحة ومن أي منظور كان، لكي تتصارع فيما بينها وتدخل في دوامة المهاترات والجدل العقيم حول تفاصيل الوطنية والتخوين لتسقط أفعال الكثير من هؤلاء الشباب في دائرة الخطأ والارتجال وتجعلهم بالنتيجة -في زمن قصير- يسقطون بين براثن الأجهزة الاستخباراتية الغربية وعملائها بشكل سافر، وهي المخولة بالتدخلات العسكرية القذرة و بترخيص من المنظمات الدولية، باسم مبادئ «إنسانوية» وبمساعدة داخلية من الجهلة والدهاة على حد سواء.