(صديقي الأخير)
عرض فيلم «صديقي الأخير» للمخرج الشاب «جود سعيد»في ختام أسبوع الأفلام العربية الثالث، الذي نظم من الهيئة الملكية بالعاصمة عمان، و بحضور جماهيري لافت وتواق لحضور جديد السينما السورية، بعد انقطاع ما يقرب ثلاث سنوات بسبب الأزمة الوطنية الراهنة،
الفيلم من بطولة المخرج «عبد اللطيف عبد الحميد»، في لفتة جميلة من التلميذ المجتهد «جود» الى أستاذه المخرج، وبأداء متمكن رافق الفنان «عبد اللطيف» منذ فيلم نجوم النهار. وشارك في البطولة أيضاً «عبد المنعم عمايري، خليل مكسيم، لورا أبو اسعد».
يروي الفيلم قصة المحقق يوسف (عبد اللطيف) في آخر عشرة أيام عمل له قبل التقاعد، وتحقيقه بقضية انتحار الدكتور خالد (عبد المنعم). يكشف الفيلم، من خلال أسلوب استعادي جميل عن طريق أشرطة مسجلة من الطبيب نفسه وشهادات أهل الحي الذي سكن فيه وأحب أهله وأحبوه، الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية لأهالي الحي، في محاولة تعبيرية مصغرة لتوضيح عمق أزمة المجتمع السوري إبان الأحداث.
وتتكشف ليوسف الأسباب التي دفعت الدكتور «خالد» للانتحار ليلة (31/12/2011) وترك ابنة متبناه من زوجته الفرنسية، حيث لم يعد يطيق العيش مع عقدة ذنب تطارده، بسبب إقدامه على (القتل الرحيم) لزوجته، خاصة بعد أن اتصل به صديقه الدكتور، الذي يعمل بالغرب، وأخبره باكتشاف أسلوب تدخل جراحي ينقذ زوجته من إغماءتها الطويلة.
تتداخل أزمة البطل «يوسف» الشخصية، فهو وحيد بعد وفاة والدته، وبعيد عن ابنته التي تعيش مع والدتها المطلقة، مع أزمة الدكتور «خالد» وأزمة مجتمع كامل على شفا الهاوية، كاشفاً حجم الفساد الكبير الذي يعيشه المجتمع، وتحالف الفاسدين الكبار مع الفاسدين الصغار ضد الوطن وأبنائه المخلصين، الذين يتكاتفون تحت علمهم الوطني في لحظة توحد وجداني لكل أفراد الحي في مباراة كرة قدم يخوضها منتخبهم الوطني للتأهل لنهائيات كأس العالم، في مشهد ذكي من المخرج يعبر عن توق السوريين الحقيقيين لحالة من التوحد الوطني هم بأمس الحاجة له في هذه اللحظة التاريخية.
يزخر الفيلم بدلالات تعبيرية مختلفة كالإضاءة الخافتة في كثير من المشاهد، والظلمة المتعمدة التي تشي بالنفق الطويل المظلم القادم إلى الوطن، وما يحمله المجهول إلى أبنائه. ولعل من المصادفات الجميلة في الفيلم وجود أربعة مخرجين يعملون دفعة واحدة فيه كل بموقع مختلف، «جود» كمخرج للعمل، و«عبد اللطيف عبد الحميد» كممثل، و«سيمون الهبر» كمونتير، و«نديم مشلاوي» كمؤلف موسيقي، في دلالة واضحة على ثقة هؤلاء المخرجين الثلاثة بقائد العمل «جود». ربما يصبح هذا الفيلم بداية لأعمال تؤسس لسينما وطنية جديدة تنظر بعمق أكبر إلى تحولات وأزمات مجتمعاتنا.