بالزاوية: أترك الضبع يا مصطفى!
يروي كبار السن في قريتنا حكاية شعبية، تستند على واقعة حقيقية، ومختصر القصة أن مصطفى البائع الجوال، زار القرية ذات صباح، فراعه أنها خالية من رجالها وأن النساء بقين وحدهن مع الأطفال، ولما استفهم عن الأمر، علم أن الرجال مستنفرون، ساهرون منذ الليلة الفائتة في واد قريب يسمى الجب، من أجل صيد الضبع الكبير الكاسر الذي لم تر مثله عين من قبل، وكان قد أغار مراراً على الماشية حتى ضاق الفلاحون به ذرعاً، فقرروا القضاء عليه بعد أن اكتشفوا ملجأه.
والحاصل أن مصطفى عندما سمع القصة دبت فيه النخوة، وعنّف النساء على عدم طلبهن مساعدته، مؤكداً لهن أنه خبير بقنص الضباع وغيرها من الضواري المفترسة..!! أفلا تخشَين على أزواجكن الجهلة من هذا الوحش؟
فما كان من النساء إلا إرشاده إلى مكان المعركة، ولما وصل وجد الرجال أشعلوا النار أمام الوكر، والضبع في الباب يتقدم ويتراجع، يلفه الدخان الكثيف وتستفزه صيحات الفلاحين الحادة.
والحق يقال أن مصطفى لم يتردد أبداً وانطلق إلى الوحش حتى غاب في الدخان، ثم علا صوته: أمسكت بخناقه لكنه يعضني، أغيثوني يا ناس يا عالم!
وأجابه الحشد اترك الضبع يا مصطفى! فكان رده: أنا تركته لكنه لا يتركني..!!
المهم استطاع الفلاحون إنقاذ مصطفى على آخر رمق وقضوا على الضبع، وتحولت قصة مصطفى إلى مثل شعبي.
يستذكر أبي هذا المثل كلما دار نقاش سياسي حول الأزمة الدائرة التي تعصف بوطننا، فكثير من الناس الطيبين اندفعوا تحت تأثيرعواطفهم فقط إلى أخذ مواقف سياسية متطرفة وغير عقلانية، ثم اكتشفوا بالتجربة والممارسة لاحقاً حجم الخسارة الكارثي الذي أصاب وطنهم ومجتمعهم أولاً وأصابهم بالمعنى الشخصي ثانياً، ولكن مشكلتهم اليوم أنهم اذا إرادو «ترك الضبع» أي الموقع الذي تموضعوا به خلال الأزمة إنه لن يتركهم..!! فقوى التشدد المتطرفة من هنا وهناك تمسك بهم بقوة، مانعة إياهم من العودة سالمين الى لغة العقل والحوار، اللغة الوحيدة التي تستطيع إنقاذنا من هذا الصراع المدمر. ما المطلوب اليوم؟ وكيف سيتمكن هؤلاء من الإفلات من براثن الضبع؟