على الطريق
المتاحف التي تعد من أبسط الأشكال التي تلجأ إليها الدول لحفظ تراثها وتعريف أجيالها الناشئة بأبطالهم الوطنيين تكاد تكون معدومة في بلدنا، وإن وجدت فحالها حال أصحابها محدودة بنطاق ضيق وغير معروفة خارج هذا الإطار، فمتحف يوسف العظمة في مسقط رأسه في منطقة الشاغور والذي لم يجر انشاؤه إلا بعد معركة طويلة مضنية قادها الوطنيون، جرى تهميشه والتعتيم عليه، ولا يعلم بوجوده معظم سكان دمشق نفسها، وهذا هو حال الشخصيات الوطنية الأخرى فمتحف صالح العلي تهمش أيضاً وتطول القائمة لدرجة أننا نستطيع الحديث دون مبالغة عن أن هناك منظومة ثقافية كاملة تعمل بشكل ممنهج على تسطيح استقلالنا وتستدرجنا للنوم في العسل وكأن مهمة الاستقلال قد أنجزت بشكل كامل. وتعمل أيضاً على تأطير الرموز الوطنية الجامعة وحصرها بإطارات مناطقية، فيصبح سلطان باشا الأطرش مثلاً رمزاً محلياً لا تأثير له خارج حدود «محافظته»، وهو الذي أخذ على عاتقه، بالاتفاق مع القادة الوطنيين السوريين، قيادة الثورة السورية الكبرى التي مثلت السوريين كلهم وجهزت التربة لغرس راية الاستقلال فيما بعد.
عمل الاحتلال الفرنسي منذ دخوله على إخفاء هذا التراث عن السوريين وبدأ من إخفاء شهداء معركة ميسلون بمن فيهم يوسف العظمة، ولايزال المكان الذي دفن فيه شهداء ميسلون في سجلات وزارة الدفاع الفرنسية ولا يعلم به أحد من السوريين.
مجابهة محاولات الاستعمار المباشرة لطمس هويتنا قائمة ولم تنقطع، لكن هذه المحاولات تجري بشكلٍ غير مباشر، فعلى الرغم من أن إرث استقلالنا ملكٌ مشاع لعموم السوريين إلا أن الأنظمة التي تعاقبت بعد الاستقلال اختارت التعتيم عليه بدلاً من تظهيره ونسج هويتنا من خيوطه، يبدو اليوم جلياً أن الذين عملوا على تشويه رموزنا هم المتضررون الحقيقيون من تسخير هذا الإرث لمصلحة السوريين، هم - وإن جاز التعبير- أحفاد من جرّ «عربة غورو»، لا يمكن لأحد اليوم إنكار أن للاستعمار خيوطاً لا تزال متينةً تربطه مع أصدقائه القدامى، الذين ينهبون إلى اليوم الشعب السوري ويستطيعون بسبب نفوذهم تحديد حجم وشكل ظهور هذه الرموز الوطنية.
(الذكرى 72 لجلاء المستعمر الفرنسي عن الأراضي السورية)