صبّ الزيت فوق النار
سأسرد سريعاً قصّة تمّ نشرها في أحد أعداد مجلّة «وقائع البحوث في العلوم الاجتماعية» وتتعلّق بهيمنة الصحافة، وهي قصّة الطفلة كارين.
إنّها طفلة من جنوب فرنسا تم اغتيالها.
نشرت الصحف المحليّة الوقائع المتعلقة بالاحتجاجات الساخطة لوالد الطفلة ولشقيقه اللذين قاما بتنظيم مظاهرات صغيرة، استعادتها صحيفة محلية صغيرة ثم صحيفة أخرى. يسود القول: «هذا فظيع، طفلة صغيرة! يجب إعادة تطبيق عقوبة الإعدام». ينزلق رجال السياسة ممّن لهم قواعد محليّة، والأفراد القريبون من الجبهة الوطنية معبئين بالإثارة بشكل خاص. يحاول صـحافي من مدينة تولوز على وعي أكثر بالأمور أن يحذّر: «انتبهوا، إنّ هذا بمنزلة إعدام تعسفي، يجب التفكير بتعقّل وتأمّل». جمعيات المحامين تدخل في المعركة بدورها وتطالب بتطبيق نظام القضاء الشعبي المباشر... يزداد الضغط، وفي نهاية الأمر تنشأ التبعية الدائمة. في هذا العرض المتسارع، نرى كيف أن وسائل الإعلام تمارس دورها كأداة للمعلومات المعبأة، شكل منحرف من الديموقراطية المباشرة يمكن أن يخلق ذلك الذي يؤدي إلى تلاشي المسافة بالنظر إلى إلحاح الحدث، بالنظر إلى ضغط العواطف الجماعية الجياشة، التي ليست بالضرورة ديمقراطية. تلك التي تؤمّن بطبيعة الحال عبر المنطق المستقل نسبياً للمجال السياسي. نشاهد إعادة تشييد منطق الانتقام الذي ينتظم ضد كل منطق قانوني أو حتى سياسي. يحدث أيضاً أن الصحافيين بسبب عدم احتفاظهم بمسافة ضرورية للتفكير والتأمل، يلعبون دور رجال الحرائق. يمكنهم أن يسهموا في خلق الحدث، بإبرازهم أحداث متفرقة (اغتيال شاب فرنسي من قبل شاب آخر فرنسي تماماً ولكنّه من أصل إفريقي) حتّى يتخلّى بعد ذلك هؤلاء الذين يسكبون الزيت فوق النار، تلك النار التي أشعلوها هم أنفسهم، أقصد الجبهة الوطنية FN التي تستغل أو تحاول استغلال المشاعر الناتجة عن الحدث بطبيعة الحال، كما تردد ذلك الصحف. تقوم بذلك حتّى تلك التي صنعت الحدث بوضعه في صدر صفحاتها الأولى، بترديده في جميع النشرات التلفزيونية...الخ، وذلك حتّى تتمكّن أن تحقق من وراء ذلك مكاسب الفضيلة، والشجاعة، والضمير الإنساني الطيّب. وذلك بكشفها عن الأزمة الكبرى، وبإدانتها بوقار مصطنع التدخل العنصري لأولئك الذين ساهموا في فعل هذا العمل، وأولئك الذين يستمرون في تقديم أدوات التلاعب الأكثر روعة.