حول التنبؤ..!
يعتبر علم الاجتماع عموماً، والحقل السياسي منه على وجه التحديد في أحد جوانبه، أداة التمكن لقراءة اتجاه التطور الحقيقي والاستناد إلى ذلك في صياغة البرامج ووضع السياسات، وتوفير الأدوات الكفيلة للوصول إلى ما يجب الوصول إليه، وعدا عن ذلك فإن السياسة تكف عن كونها علماً،
وتتحول إلى مجرد أداة تضليل وتلاعب بالعقول، ويتحول الموقف السياسي إلى مجرد وسيلة للتحكم بمصير الناس، وفي أحسن الأحوال مجرد نوايا طيبة يعجز أصحابها في التعبير عنها بالشكل الصحيح.
أريد القول، إن الشرط اللازم لأي عمل سياسي جدي، والشعور بالمسؤولية تجاه من تعبر هذه الجهة السياسية أو تلك عن مصالحهم هو امتلاك الأداة المعرفية القادرة على التفسير الصحيح للظواهر الاجتماعية في هذه المرحلة أو تلك من التطور التاريخي، في هذا البلد أو ذاك، و يمكن أيضاً أن يعتبر نقطة الاستناد الأساسية لقياس درجة تمثيل القوى السياسية، والأحزاب في الشارع، فمن يمثل الناس– ولايمثل عليهم- هو من يقول لهم الحقيقة في الظرف المناسب، مترفعاً عن المصالح الآنية المفترضة، والانسياق وراء العاطفة، والجانب الوجداني، ويحدد المهمة الرئيسية الموضوعة على جدول الأعمال، ويعمل على تحقيقها، لا من يمتلك أدوات الهيمنة بأشكالها المختلفة عليهم، ويحاول استلاب وعيهم، وإرادتهم ويقودهم من مأزق إلى آخر.
إن التنبؤ الصحيح باتجاه تطور الأحداث في حقل علم الاجتماع ليس ترفاً فكرياً، وليس منجزاً معرفياً فقط، بل هو بالإضافة إلى ذلك، وخصوصاً في ظروف الأزمات، يوفر الكثير من الدم، والكثير من الدمار المادي والروحي، ويضع الأساس المعرفي للحلول الواقعية والضرورية في الوقت المناسب، ومحتوى هذه الحلول ومآلاتها، والقوى التي يمكن أن تنخرط فيها، والقوى التي يمكن أن تعاديها، والقوى التي يمكن تحييدها، أي أنه الشرط الذي لا غنى عنه لحل الأزمات بالاتجاه الصحيح، بعيداً عن الحلول غير الواقعية أو الملغومة والمشوهة.