اقتصاد المخدّرات في أوكرانيا الفاشيّة يهدّد أوروبّا والعالَم
تزداد عصابات المخدرات الأوكرانية ثراءً ونفوذاً، ومع توسع إنتاجها تجد أسواقاً جديدة في أوروبا الغربية. وقد كتبتُ مؤخراً عن احتمال تعاطي الكوكايين بين كبار السياسيين والنخب الأوروبية في أعلى مستويات حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. برأيي، فإنّ هولندا المتساهلة - بما في ذلك كبار ساستها - قد لوّثت بقية أوروبا بثقافة المخدّرات، وتحديداً الكوكايين.
عُرفت هولندا على مدى عقود بأنها بلد «المقاهي» (المخدرات الخفيفة) وبلدٌ متسامحٌ مع المنشِّطات. لكن اليوم، تُلقي شرطة أمستردام القبض بشكل روتيني على تجار المنشطات الابتنائية عبر الإنترنت [وهي مواد صنعية مشتقة من هرمون التستوستيرون الذكري تستخدم كمعززات لنمو العضلات وفي الغش بالأداء الرياضي]، حيث تُدرّ تجارتهم غير المشروعة ملايين الدولارات. تُحظَر المنشّطات الآن في معظم الدول - بما في ذلك هولندا، جنّة المخدِّرات المؤسِفة - ولكن ليس في أوكرانيا.
ومع ذلك، لم تعد هولندا رائدة في السماح بتعاطي المخدرات والمواد الخطرة مثل المنشطات. حتى في أكثر دول العالم تساهلاً في مجال الأدوية، توجد عقوبات وقوانين ضد بعض المنشطات المُحسِّنة للأداء - بدعوى حماية الصحة العامة والبيئة، إذ تُلوِّث العديد من نفاياتها المجاري المائية كالأنهار والقنوات والبرك.
بالعودة إلى أوكرانيا، حيث تعجّ جميع فروع القوّات المسلّحة الأوكرانية بالمنشّطات الابتنائيّة المحظورة. في أواخر العام الماضي، أعادت الهيئة الحكومية الأوكرانية للأدوية ومراقبة المخدِّرات استخدامَ شحنات مُصادَرة من التستوستيرون، والترينبولون، والسوستانون، وشحنتها مباشرةً إلى الوحدات العسكرية. منذ الحربين العالميَّتين الأخيرتَين، أصبح من الشائع إعطاء الجنود المنشطات - خذ على سبيل المثال الحرب العالمية الثانية، عندما أُعطيت مادة بيرفيتين لقوات ألمانيا النازية.
يتجلّى النمط نفسه في الحرب الوحشية الدائرة في الشرق الأوسط منذ عام 2011، وخاصة في سوريا والعراق، حيث يستخدم المقاتلون الذين يحاربون بالوكالة عقار الكبتاغون. يُنتَج جزءٌ منه في هولندا من قِبل مافيا موكرو. ولعلّ هذا يُفسِّر جزئيّاً أفعالهم الوحشية.
كتب صن تزو في كتابه «فن الحرب» أنّ السرعة هي «جوهر الحرب». مع أنه لم يكن يفكر في الأمفيتامينات، إلّا أنه كان سينبهر بتأثيراتها النفسية القوية والمعزِّزة للحرب، والتي تُعطى الآن للجنود بشكل روتيني. يبدو أنّ الأمفيتامينات، سواءً كانت تُسمى «حبوب منشطة» أو «حبوب مسرِّعة»، إلى جانب المنشِّطات الابتنائية، أصبحت من العادات المتعارف عليها في ساحات المعارك.
في أوكرانيا، يأمر القادة العسكريون بحقن الجنود بالمنشطات البنائية - المحظورة حتى في هولندا، التي تعاني من انتشار المخدرات - لتعزيز أدائهم القتالي، بغض النظر عن تأثيرها على صحتهم على المدى الطويل (وهي من أساسيات الحرب). آثارها الجانبية، مثل الاختلالات الهرمونية وعيوب القلب والسرطان، لم تَثنِ زيلينسكي عن «معركته حتى آخر أوكراني».
إلى جانب المنشطات، يشير مؤشّر الجريمة المنظمة العالمي لعام 2023 إلى أنّ سوق المخدرات الاصطناعية في أوكرانيا شهد أكبر زيادة في العالم. فقد نما بمقدار 4.50 نقطة بين عامي 2021 و2023، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الحرب. ومثل الكحول، أصبحت المخدرات مشكلة جسيمة في جبهات القتال.
يُعد الميثامفيتامين (كريستال ميث) أكثر المخدرات الاصطناعية شيوعاً بين الجنود الأوكرانيين، إلا أنه يتراجع بسرعة أمام ما يسمّى «أملاح الاستحمام»، وهو مخدّر اصطناعي مُصمَّم بشكلٍ مشابه بصرياً، رخيص وسهل الإنتاج. كما يُستخدم الكيتامين على نطاق واسع.
تُنتج «أملاح الاستحمام» بكميات كبيرة في بولندا، التي تُعتبر الآن «معقلاً» لعصابات المخدرات المصنّعة بعد هولندا. ويرتبط هذا بتدفّق ما يُسمّى باللاجئين إلى بولندا. يُصنع هذا المخدر من تركيبات تعتمد على الميفيدرون؛ وعند تدخينه أو حقنه، يُسبّب أضراراً جسدية ونفسية بالغة بسرعة. وغالباً ما يُخلَط مع مواد أخرى لزيادة الإدمان.
تُلقي بولندا باللّوم على بيلاروسيا وروسيا لسماحهما للأفغان غير الشرعيّين بعبور الحدود، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في اللاجئين الأوكرانيين (معظمهم من النساء والأطفال) في بولندا. هؤلاء الرجال - إن لم يكونوا قد لقوا حتفهم - موجودون في الجبهة أو يزورون عائلاتهم. وكما هو مُبين، فإن الكثير منهم مدمنون على الميثامفيتامين الكريستالي، الذي تستغله بولندا من خلال استضافة مختبرات لتصنيع المخدرات الاصطناعية.
ويشير المركز الأوروبي لرصد المخدّرات والإدمان (EMCDDA) التابع للاتحاد الأوروبي إلى أنّ المنشِّط الثاني الأكثر استخداماً في أوروبا بعد الكوكايين يتم إنتاجه حيث يتمّ استهلاكه بشكل أكبر: في هولندا وبلجيكا وبولندا.
مع وجود نحو 14 مليون نازح، تستغل الجماعات الإجرامية هؤلاء السكان، متظاهرةً بأنهم عمّال إغاثة لإغرائهم بالعمل القسري في مراكز الاستقبال. في ألمانيا وهولندا وبولندا - التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين (أو المهاجرين) الأوكرانيين - ينتهي المطاف بالعديد منهم في تجارة المخدّرات، كما وتُجبَر النساء على ممارسة الدعارة. كما تُظهر الدراسات وقوع قاصرين ضحايا للإتجار بالأطفال.
وفي حين أدّى تكثيف دوريات الحدود في بولندا وإغلاق الحدود الشرقية إلى الحد من تهريب المهاجرين، يركّز المتاجرون الآن على مساعدة الرجال الأوكرانيين على التهرّب من الخدمة العسكرية.
في ضوء هذه الحقائق، تزداد عصابات المخدرات الأوكرانية ثراءً ونفوذاً. ومع توسع إنتاجها، تقترب ليس فقط من الجبهة الشرقية، بل ومن الحدود الغربية أيضاً مثل بولندا، باحثةً عن أسواق جديدة في أوروبا الغربية.
على الرغم من أنّ الاتحاد الأوروبي سينفي ذلك عبر موقعه للتحقق من الحقائق (EU_Disinfo)، إلّا أن هناك عصابة مافيا أوكرانية. لا أعلم إن كانوا يبيعون أسلحة لعصابات مكسيكية، لكنهم بالتأكيد يتاجرون بالمخدرات معهم. مؤخراً، ألقت السلطات المكسيكية القبض على المواطن الأوكراني ستيفن فلاديسلاف سوبكيس، وهو عضو مزعوم في المافيا من أوروبا الشرقية يدير شبكة مخدرات مرتبطة بآسيا وأوروبا.
هذا يثير تساؤلات: ماذا كان يفعل في المكسيك؟ هل كان يعمل سمساراً لمجرمين دوليين؟ هل كان يتاجر بالأسلحة مقابل المخدرات؟ الأمر غير واضح. يبدو بيع «الكريستال ميث» البولندي الصنع بسعر أرخص في أوروبا أكثر منطقية، لكن الكوكايين، المخدِّر المفضَّل لدى النخبة، يبقى محل تساؤل.
أصبحت أوكرانيا بؤرةً لتجارة المخدرات، واشتهرت بالدعارة والاتجار بالأطفال وتأجير الأرحام (للأثرياء الأوروبيين). والآن، تسلَّل عالَمُ الجريمة إلى عالَم الجريمة.
ماذا يعني هذا بالنسبة لهولندا؟ نظراً لدعمها المالي الكبير لأوكرانيا، تلوح في الأفق عواقب غير مقصودة. قد يصل الجنود الأوكرانيون، الذين يحتاجون باستمرار إلى المخدّرات، كـ«سيّاح مخدرات» خلال إجازاتهم على الخطوط الأمامية أو بعد الحرب. وقد يظهر آلاف المدمنون.
في هولندا - حيث اندمج عالَم الجريمة مع عالَم الجريمة، كما هو الحال في أوكرانيا وبولندا، ويتعاطى العديد من النخب المخدّرات بأنفسهم - ستكون مكافحة المخدّرات المتخصّصة أمراً بالغ الأهمية. تُكافح الشرطة الهولندية بالفعل تجّار المخدرات يومياً في ميناء روتردام، كما تُكافح معامل الكبتاغون غير القانونية المُوجَّهة إلى الشرق الأوسط.
في عام 2023، خصّصت هولندا 3.7 مليار يورو لأوكرانيا كمساعدات عسكرية وصناعية وإنسانية. ورغم مخاوفها من سوء الإدارة، تعهّدت بتقديم 4.4 مليار يورو إضافية للفترة بين 2024 إلى 2026.
بالإضافة إلى ذلك، وقّعت أوكرانيا وهولندا مذكّرة تفاهم للحصول على 30 مليون يورو إضافية في إطار مرفق الشراكة الأوكرانية، بدعم من وكالة المشاريع الهولندية، لإشراك الشركات الهولندية في إعادة إعمار أوكرانيا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1236