الصين تريد أن تحضّر نفسها على «الطريقة الروسية»!
كان الشغل الشاغل في العامين الماضيين لشو بو لينغ، وهو مدير المكتب الاقتصادي في قسم روسيا في الكلية الصينية للشؤون الاجتماعية، أن يفهم العوامل والأسباب التي سمحت لروسيا بمواجهة العقوبات الغربية والحفاظ على استقرارها، ولهذا درس المعطيات بشكل مكثّف، وقام بزيارة الكثير من المدن الروسية، ليقف بنفسه على ما يجري على أرض الواقع. السبب في ذلك كما يقول شو نفسه، أنّ على الصين أن تتحضّر لمواجهة «يومٍ ممطر»، وأن تنجح كما نجحت روسيا في مهمتها. إليكم أبرز ما جاء في المقال.
ترجمة: أوديت الحسين
فُرضت عقوبات غير مسبوقة على روسيا، ومع ذلك، استقر الاقتصاد والنظام المالي الروسي بعد فترة وجيزة من الفوضى، ليتراجع بنسبة 2.1% في 2022. لكن بحلول 2023، حقق الاقتصاد الروسي نمواً بنسبة 3.6%، ليحتل مرتبة بين الأفضل من القوى الكبرى في العالم، واستناداً إلى ذلك، أصبح أكبر اقتصاد في أوروبا بحساب تعادل القوة الشرائية.
بعد إعلان الرئيس بوتين عن «العملية العسكرية الخاصة»، طرح ثلاثة مبادئ: أولاً، يجب السيطرة على الحرب خارج روسيا وعدم امتدادها إلى الأراضي الروسية. ثانياً، يجب ألّا يؤثر العبء المالي الناجم عن الحرب على الحياة الأساسية للسكان. ثالثاً، محاولة تجنّب وقوع إصابات واسعة النطاق بين المدنيين والجنود في ساحة المعركة.
انخفض الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 2.1% في 2022. وفي الفترة من تموز إلى آب 2022، بدأ النمو الاقتصادي يتحول إلى إيجابي على أساس شهريّ. بعد 9 إلى 13 أسبوعاً على التوالي من الانكماش، تمّت السيطرة على الأسعار وبدأت حياة السكان تعود إلى طبيعتها. وبحلول 2023، نما الاقتصاد بنسبة 3.6%، وزاد الدخل الحقيقي المتاح للسكان بنسبة 5.4% على أساس سنوي، وزادت الأجور بنسبة 7.6% بالقيمة الحقيقية. وبلغ الدخل الفعلي المتاح للمقيمين 98.6% من أعلى مستوياته في عام 2013.
كان التأثير الأكبر على الاقتصاد الروسي للعقوبات الماليّة. إنّ هدف الدول الأوروبية والأمريكية يتلخّص في التسبب في هروب رؤوس الأموال، واستنزاف الموارد المالية، وفي نهاية المطاف حدوث أزمة مالية في روسيا. من الواضح أن هذا حدث في الأيام الأولى. عانى النظام المالي المحلي في روسيا من مشاكل خطيرة، ففي البداية لم يكن الناس يعرفون كيف سيكون الوضع المستقبلي، لذلك لم تكن لديهم ثقة في الودائع المصرفية، كما لم تكن لدى الشركات ثقة في استخدام النقد الأجنبي وتسوية التجارة الدولية. في ذلك الوقت، كانت هناك موجة من الأزمة المالية قصيرة المدى، وهي أزمة الثقة. ومع ذلك، استجابت الحكومة الروسية بسرعة. وقد توصلنا لاحقاً إلى أن إجراءات العقوبات المضادة الثلاثة التي فرضتها روسيا كانت فعالة للغاية في السيطرة على الوضع.
الأولى: هي السيطرة على تدفقات رأس المال إلى الخارج، وهو ما يفرض قيوداً على التحويلات المالية إلى الخارج والاقتراض الخارجي. ولا يُسمح بإقراض النقد الذي يتجاوز 10 آلاف دولار. الثانية: تمّ تعليق سداد الديون الخارجية. الثالثة: تسوية مبيعات العملات الأجنبية الإلزامية. تشترط روسيا بيع 80% من دخل النقد الأجنبي من عقود التجارة الخارجية الموقعة بعد الأول من كانون الثاني 2022 إلى البنك المركزي لتحسين قدرته على توريد النقد الأجنبي في سوق موسكو. لقد حسبنا بشكل تقريبي أنه في ذلك الوقت كانت روسيا تحتاج إلى حوالي مليار دولار أمريكي من إمدادات النقد الأجنبي يومياً، وبهذه الطريقة تم تخفيف مشكلة نقص النقد الأجنبي.
استجابة للمخاوف العامة، اشترطت روسيا استبدال 5000 روبل بغرام واحد من الذهب، وربط الروبل بالذهب. بهذه الطريقة، سواء كنت شركة أو فرداً، ولست واثقاً من الاحتفاظ بالروبل، فيمكنك أخذ الروبل إلى البنك واستبداله بكمية مساوية من الذهب، مما أدّى بسرعة إلى استقرار ثقة السوق المالية الروسية. ثمّ بعد إصدار أمر تسوية مبيعات الغاز والنفط بالروبل، سرعان ما استعاد السوق الثقة بالروبل. في نيسان، ارتفع الدولار إلى أكثر من 70 روبلاً، ثمّ عاد إلى 53 روبلاً. بهذه الطريقة، ربطت روسيا قيمة الروبل بالغاز الطبيعي، كما سيطرت روسيا على إيقاع صرف العملات الأجنبية في السوق. وبالتالي، انتعش سعر صرف الروبل بسرعة، واستقر النظام المالي في روسيا.
ثمّ بدأ التعامل مع «ضوابط التصدير والقيود الفنية»، التي أدّت إلى انقطاع سلسلة التوريد الدولية لروسيا. شهدت روسيا فوضى خطيرة في الإنتاج من آذار إلى أيار 2022. اختفت فجأة المنتجات الوسيطة مثل المعدات والمواد الخام المستوردة من أوروبا. وتعيّن على الشركات الروسية إعادة بناء سلاسل التوريد الخاصة بها والعثور على الموردين مرة أخرى في السوق المحلية أو الدولية.
كما أنّ بناء الأمن المالي الذي بدأ في روسيا منذ 2015 كان فعّالاً، مثل بناء النظام المصرفي الخاص بالبنك. كان لدى روسيا 329 بنكاً و34 مؤسسة مالية غير مصرفية فقط في الأول من يوليو 2022. وهذا نتيجة لبناء الأمن المالي على المدى الطويل. قبل التحول الذي شهدته روسيا، كان النظام المصرفي في حالة من الفوضى الشديدة ذات يوم. وفي ذروته، كان هناك أكثر من 10 آلاف بنك، كما كان هناك أكثر من 1500 بنك في خطة مكافحة الأزمة لعام 2015. في وقت لاحق، كانت البنوك التي تنتهك القواعد التنظيمية يتم تصحيحها كل عام. وإذا لم تكن نسبة كفاية رأس المال لديها تفي بالمعايير، أو إذا كانت تعمل بشكل ينتهك القواعد التنظيمية، تمّ إلغاء تراخيص أعمالها. يتم إلغاء تراخيص أعمال ما يقرب من 90 إلى 100 بنك كل عام، لذلك لا توجد مشكلة فيما يتعلق بصحة البنوك الروسية. ولذلك، وفي مواجهة هذه الصدمة المالية، لم يفشل النظام المصرفي أو ينغلق، وسرعان ما استقر القطاع المالي.
وصل معدل تراكم رأس المال في روسيا إلى 27% في 2023، وهو السبب الرئيسي وراء نمو الاقتصاد الروسي بنسبة 3.6%. يرتبط نمو الاستثمار في 2023 بالسياسة المالية النشطة والسياسة النقدية. النفقات المالية وقروض الرهن العقاري التفضيلية هي المصادر الرئيسية. كانت سياسة الاقتصاد الكلي التي اتبعتها روسيا قبل 2015 تعتمد دائماً على عدم التدخل في السوق وسياسة مالية متوازنة. بعد إصلاح سعر صرف الروبل في 2015، انتقلت السياسة النقدية للبنك المركزي الروسي من استقرار سعر الصرف إلى نظام استهداف التضخم، وأصبحت أهداف السياسة أكثر تركيزاً والتأثير أكثر أهمية.
بعد أن تولى ميشوستين رئاسة الحكومة في 2020، أجرى إصلاحات جذرية، وأعاد تنظيم (بنك الدولة للتنمية والشؤون الاقتصادية الخارجية) في مجموعة التنمية الفيدرالية الروسية، ودمج مؤسسات التنمية طويلة الأجل الأخرى ذات النتائج الضعيفة في مجموعة التنمية الوطنية. خلال وباء كوفيد-19، جمع ميشوستين بشكل عضوي بين بناء المشاريع واسعة النطاق ومكافحة الأزمات، وحقق معدل نمو اقتصادي قدره 4.7% في 2021.
بالإضافة إلى ذلك، يحتكر الاقتصاد الروسي المملوك للدولة العديد من الصناعات، وهناك 2587 شركة مدرجة تسيطر عليها الدولة، وغالباً ما تضمّ عشرات الآلاف من الشركات التابعة، وتتمتع بوضع مهيمن في الأنشطة التجارية للشركات الروسية في الصناعات المختلفة. أدت أوامر التعبئة العسكرية وسياسات الحرب إلى زيادة أهمية اقتصاد الدولة في الاستثمار والإنتاج. وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه الإنفاق المالي وقروض الرهن العقاري التفضيلية لتلعب دوراً سريعاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1164