أشباه الموصلات تشهد إعادة تشكيل عالمي جديد
شيانغ ليغانغ شيانغ ليغانغ

أشباه الموصلات تشهد إعادة تشكيل عالمي جديد

في حدث شديد الأهمية والتأثير، حققت شركة هواوي تقدماً كبيراً في تخطي الحصار الأمريكي على رقاقاتها، عندما أطلقت منذ فترة قريبة سلسلة هواتف Mate الجديدة. ولكن من المهم فهم التأثير الذي تملكه الولايات المتحدة على صناعة أشباه الموصلات في العالم، والصراع من أجل الحصول على ميزة تنافسية بالقوة، والأثر الذي سيتركه الصعود الصيني في مجال تصنيع الرقاقات على عمالقة الصناعة الآخرين. إليكم مختصراً لما قاله شيانغ ليغانغ، المحلل ومدير صحيفة «الاتصالات» الصينية.

يمكن القول: إنّ صناعة أشباه الموصلات العالمية قد تغيرت بالكامل في العامين الماضيين. في عام 2020 بدأت الولايات المتحدة بزيادة عقوباتها التكنولوجيا على هواوي الصينية، ما أدى إلى سلسلة من ردود الفعل المتسلسلة في الصناعة، أولاً: بدأت هواوي في تخزين عدد كبير من الرقاقات من أجل البقاء والتطور. تسبب التخزين في قلق الصناعة بشأن نقص العرض في المستقبل، لذلك قمنا أيضاً بمتابعة التخزين، وقد تسبب النمو الهائل في الطلب في فشل العديد من المضاربين الدوليين. وبعد أن بدأ الجميع بالتخزين بين عامي 2020 و2021، كانت هناك فجوة بنسبة 80٪ في سوق الرقاقات العالمية، ولم تتمكن العديد من الشركات التي اعتمدت على الرقاقات من بدء عملياتها بشكل طبيعي، وارتفع سعر الشريحة عشرين ضعفاً.
أثر هذا الوضع على توقعات صناعة أشباه الموصلات في العالم بأكمله، وبالتالي، على الحكم فيما يخصّ إنتاج الرقائق. اعتقد الجميع بأنّ النقص العالمي في الرقاقات سيدوم لفترة طويلة، لذلك أجبرت الولايات المتحدة شركة TSMC التايوانية على الانتقال إلى الولايات المتحدة، وأجبرت سامسونغ على الاستثمار في الولايات المتحدة. كما تحضرت إنتل للاستثمار بشكل مكثف في الولايات المتحدة. الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا وتايوان، جميعهم بدؤوا بعمليات توسّع على نطاق كبير في صناعة الرقاقات. كما اشترت الصين أكثر من 100 آلة «طباعة lithography» من بلدان مختلفة، وأنتجت وأعادت بناء أكثر من 20 آلة في هذين العامين أيضاً.
قاد كلّ هذا إلى نقطة تحوّل في الصناعة في 2022: التحوّل من النقص إلى الوفرة. عندما تلاشت التوقعات العالمية بأنّ النقص في الرقاقات سيستمر، قلّ الطب وانهارت الصناعة. هذا العام تواجه الصناعة حالة «حداد». سامسونغ وكوالكوم وإنتل، تواجه جميعها صعوبات تشغيلية متنوعة. انخفضت حصة TSMC من السوق 13٪ بين بداية العام وشهر تموز. انخفضت أرباح سامسونغ إلى أكثر من عشرة أشهر متتالية، وهذا الوضع سيستمر لبعض الوقت.
ورغم أنّ الطلب على الرقاقات قد انخفض، فالتوسّع في الاستثمار في الرقاقات من قبل عدد من الدول في السنوات الثلاث الماضية قد تجاوز بشكل كبير المعدل العادي. ورغم أنّ عمالقة الصناعة حققوا أرباحاً هائلة عندما زاد الطلب، فمن المرجح أنّه لن يكون هناك مشترون للرقاقات المنتجة بكميات كبيرة في المستقبل. على العموم، كانت صناعة الرقاقات في العامين الماضيين في حالة تشبه «الأفعوانية»، مرّة يكون هناك انزعاج عندما يكون هناك نقص في الرقاقات، ومرة يكون هناك انزعاج عندما يصبح هناك فائض في المعروض من الرقاقات.

تغييرات لا يمكن عكسها

عندما لم يكن معدّل الاعتماد الصيني على الذات في مجال الرقاقات إلّا 5٪، كان جزء كبير من التجارة العالمية في الرقاقات من حصة الصين بقيمة 350 مليار دولار. كانت قيمة واردات الرقائق كبيرة بحيث تجاوزت النفط. كانت الصين في السابق تتبع مبادئ التقسيم الدولي للعمل، بحيث تنفق أموالاً طائلة على شراء الرقاقات، ثمّ تصنع منتجات جديدة زهيدة الثمن ذات نوعية عالية وتبيعها للعالم. لكنّ الوضع تغير اليوم بسبب هجوم الولايات المتحدة، ولا بدّ من القيام بشيء في هذا الخصوص.
أتوقع بأن تصل الصين إلى الاعتماد على الذات بنسبة 25٪ بحلول نهاية هذا العام 2023، وأن نقطع 35٪ في نهاية العام القادم. بعد ذلك سيكون هناك «انفجار» واسع النطاق في المخرجات السنوية. عندها ستصل الصين إلى نسبة اعتماد على الذات 50٪ على الأقل في عام 2025، وقد تصل حتّى إلى 70٪. إن وصل الاعتماد الصيني على الذات إلى 50٪، فهذا يعني أنّ الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان سيكونون قد فقدوا سوقاً بقيمة 150 مليار دولار. وإن وصلت النسبة إلى 70٪ فسيكون حجم السوق الذي خسروه 200 مليار دولار. بكلمات أخرى، لقد تغيّر نمط سوق الرقاقات العالمي بشكل كبير، الأمر الذي سيترك آثاراً هائلة على الكثير من شركات الرقاقات.
يمكن الانتباه إلى هذا النوع من التأثير بشكل واضح في رقاقات الذواكر. في الماضي كانت البلد المهيمنة على رقاقات الذواكر هي كوريا الجنوبية. غالباً ما كنّا نتابع الأخبار عن الطلب الحاد على هذه الذواكر ما جعل ثمنها يزداد بشكل كبير. اليوم وبعد الاختراقات التي حققتها الصين، لم يعد الطلب على مصانع الرقاقات الكورية كبيراً، وحتّى أرباح سامسونغ قد تقلصت بأكثر من 95٪ على مدى عشرة أشهر متتالية.
صناعة الرقاقات الأكثر تطوراً ستشهد المصير ذاته عمّا قريب. رقاقات 7 و5 و3 نانومتر المستخدمة بشكل رئيسي في الهواتف الذكية، وبعض السيارات الذكية. إنّ الطلب السوقي ومساحة النمو كليهما محدود نسبياً، وليس بالحجم الكبير الذي تخيله البعض. لو أنّ الأمور سارت على ما هي عليه قبل العقوبات الأمريكية، أي لو استمرّ التقسم العالمي للعمل، لكنّا شهدنا نوعاً مختلفاً من مجريات الأحداث. أمّا اليوم وقد تمكنت الصين من تحقيق اختراق تكنولوجي، ستنتقل سريعاً إلى الإنتاج السوقي، وبالتالي ستواجه شركات تصميم الرقاقات TSMC وسامسونغ عواقب كبيرة.
لا يمكن لوم الصين على ذلك، ففي خطّة «صنع في الصين» الأصلية كان هناك فجوة بنسبة 30٪ من أجل شراء العمليات والمنتجات المتطورة بدافع التعاون من أجل تعزيز التطور التكنولوجي، والسلاسل الصناعية في الدول الأخرى، بما يخدم تقسيم العمل، لكن بما أنّ هناك بلداناً تملك التكنولوجيا المتقدمة وتحاول خنق الصين، فعلينا أن نصل إلى أداء الأعمال بأيدينا بنسبة 90 إلى 100٪. بالنسبة لي كمراقب، أنا سعيد لأنّ هواوي تمكنت من كسر حصار الأمريكيين وحققت اختراقة أعادت الثقة إلى مجمل الصناعة الصينية.
كثيرون أساؤوا فهم صناعة الرقاقات الصينية، واعتقدوا بأنّ الحكومة الصينية استثمرت ترليونات الدولارات دون القدرة على إنتاج رقاقات جيدة. في العشرين أو الثلاثين عاماً الماضية، أولت الحكومة اهتماماً بقطاع أشباه الموصلات، لكنّها لم تبدأ بوضع الاستثمارات الكبرى حتّى عام 2018. كان التركيز يصبّ على إنتاج المنتجات النهائية، وهذا جعل الاعتماد على الذات مجرّد 5٪ في عام 2018 مع استيراد الباقي والحفاظ على تقسيم العمل. اليوم وصلنا إلى 17٪ من الاعتماد على الذات، ولن ينتهي العام إلا ووصلنا إلى 25٪. أثبتت الصين عبر هواوي بأنّها أيضاً قادرة على استخدام كامل إنتاجها في صناعة منتج نهائي. ربّما الأكثر أهمية أنّ الاختراق لم يكن أمراً علمياً صغيراً، بل هو إنتاج سوقي معدّ للاستهلاك تمّ إطلاقه وانتهى الأمر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1142
آخر تعديل على الجمعة, 20 تشرين1/أكتوير 2023 23:29