«تضخّم» الأرباح حقيقي!
تثير الزيادات غير المسبوقة في أرباح «الشركات» خلال 2020 و2023 مناقشات في الصحف ودوائر السياسة وعالم المدوّنات. ويمرّ «تضخم الأرباح» أو «تضخّم الجشع» بالعاميّة، بلحظة كبيرة، باعتبار أنّ أرباح الشركات ساهمت بشكل كبير في اللحظة التضخمية العامة التي نعيشها. حتّى مسؤولو النظام الاقتصادي الحالي لم يعودوا قادرين على إنكار هذا الأمر.
ترجمة: أوديت الحسين
صرّحت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد في 4 أيار 2023 كمثال: «استفادت القطاعات من دفع التكاليف بالكامل دون الضغط على الهوامش، وبالنسبة لبعضها دفعت الأسعار أعلى من التكلفة... العديد من الشركات كانت قادرة على زيادة هوامش ربحها في القطاعات التي تواجه قيود العرض والطلب المتنامي». يضيف فيليب لين، كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي قائلاً: «كان للأجور تأثير محدود جداً على التضخم خلال العامين الماضيين... وكانت الزيادة في الأرباح أكثر ديناميكية بشكل ملحوظ».
لسوء الحظ، فإنّ الجدل حول «تضخم الربح» غارق في الغموض المفاهيمي، وخصوصيات التعريف، ومشكلات البيانات. في مداخلة أثارت جدلاً كبيراً حاول مارك لافو توضيح النقاش حول «تضخم الأرباح». كان تدخله مفيداً في توضيح سبب زيادة حصّة الأرباح في أوقات ارتفاع أسعار الطاقة والمواد، حتى لو حافظت الشركات على معدلات ربحيّتها ثابتةً، ولا تستفيد من «عدم اليقين الناجم عن التضخم المرتفع والمتقلب». يعتقد لافوي أنّ هذا هو الحال: فمعظم الأدلة في رأيه تُظهر أنّ الزيادة في التضخم يمكن تفسيرها بارتفاع نمو حصة الأرباح، والذي كان مدفوعاً بحد ذاته بارتفاع أسعار المدخلات الوسيطة «الطاقة على وجه الخصوص». لكن إن كان هذا صحيحاً فالشركات لم تزد من هوامش ربحها! ورغم أنّ جوانب من حديث لافوي مهمّة وتستحق أخذها بعين الاعتبار، فمن الناحية التجريبية يصبح ادّعائه بأنّه يمكن بشكل عام تفسير الزيادة في الأرباح، وحصة الأرباح دون اللجوء إلى تفسير يستند إلى استغلال الشركات للموقف ورفع معدّلات الربح، لا قيمة كبيرة له.
دعونا نعرّف «تضخّم الربح» بشكل صارم، بأنّه زيادة في سعر الإنتاج الإجمالي ناتجة عن زيادة في هامش الربح «مع الحفاظ على ثبات جميع بنود تكلفة الوحدة الأخرى». عند التطبيق التجريبي لفرضية لافوي بأنّ الشركات لم ترفع هامش الربح، سنصل إلى نتيجة مضلِّلة، حيث يتبيّن بأنّ حصّة الأرباح المتزايدة نسبة إلى التضخم لم ترتفع، ولكن أيضاً الأسعار لم ترتفع! عندما نأخذ الأدلة التجريبية لمساهمة تكلفة وحدة العمل، وتكلفة الوحدات غير العاملة، وأرباح الشركات في نمو مُعامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الأمريكي، سنرى بأنّ هناك ارتفاعاً في السعر والأرباح لكل وحدة من إجمالي القيمة المضافة الحقيقية، وبأنّ رفع هامش الربح مسؤول عن أكثر من 40% من الزيادة في مُعامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي ما بين الربع الأول من 2020 والربع الأول من عام 2022.
إذا ما أخذنا نتائج تحليل اقتصادي أجرته منذ فترة قصيرة أنجيلا كابولونغو ومايكل كويل وفلاد سكوفورودف، وهم ثلاثة خبراء اقتصاديين يعملون في آلية الاستقرار الأوروبية ESM، سنرى بأنّ ارتفاع مكاسب الأرباح هو المحرّك الرئيسي للتضخّم في منطقة اليورو، حيث أشار البحث إلى حقيقة تجريبية: «ارتفاع قوة تسعير الشركات وقدرتها على تمرير التغييرات في التكاليف إلى المستهلك دون الإضرار بالمبيعات. على الصعيدين المحلي والخارجي، أصبح هذا العام هو أهمّ محرّك لهوامش الربح منذ بداية عام 2022». يمكن التشكيك في بعض هذه النتائج لأنّها تهمل أحياناً ارتفاع أسعار المُدخلات الوسيطة، ما يجعل المدافعين عن كون الشركات لم ترفع هوامش الربح يُمسكون هذه النقطة. لكن في بحث آخر من 2023 صادر عن اقتصاديّين في البنك المركزي الأوروبي، يجادل الباحثون بأنّ هوامش الربح ارتفعت، ودفعت مُعامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو. لكن بالرغم من ذلك تبقى هذه الأبحاث ناقصة، وفيها الكثير من مواضع الخلل، ويبقى الجدال ضدها قائماً بأبحاث أخرى تؤيد رأي لافوي.
هامش الربح حاضر دائماً
دون معلومات إضافية عن سعر المدخلات الوسيطة، لا يمكننا عزل تأثير زيادة هوامش الربح على التضخم. النبأ السار هو: أنّ مكتب التحليل الاقتصادي يُقدّم البيانات الضرورية عن الناتج الإجمالي والمُدخلات الوسيطة والقيمة المضافة الإجمالية التي نحتاجها. لذلك من الممكن تقدير مكونات سعر الإنتاج المحدد في المعادلة.
يتضح من البيانات أنّ مؤشر متوسط هامش الربح المُستخدم من قبل «الصناعات الخاصة» في الولايات المتحدة قد ارتفع من 0.247 نقطة في الربع الثاني من عام 2020 إلى 0.285 نقطة في الربع الرابع من 2022. تعني هذه النقاط بأنّ هامش الربح شهد زيادة بمقدار 15.7%، الأمر الذي ساهم بشكل مباشر في زيادة الأسعار، ناهيك عن علاوات الربح المرتفعة أساساً. ساهم رفع معدلات هامش الربح في الارتفاع الأخير في التضخم العام في الولايات المتحدة، واستغلت الشركات الأمريكية الكبرى الوضع.
في الحقيقة، هذه ليست مفاجأة كبيرة، فبعض الرؤساء التنفيذيين اعترفوا بذلك في توضيحاتهم للمساهمين بأنّهم استغلوا التضخّم لرفع هوامش الربح وزيادة الأسعار بما يتجاوز ما هو مطلوب لتعويض أيّ زيادة في تكاليف المُدخلات.
بالعودة إلى لافوي والادّعاء بأنّ ارتفاع تكاليف المُدخلات الوسيطة هو الذي أدّى إلى ارتفاع الأسعار، وليس رفع هوامش الربح. عند التطبيق التجريبي للفرضية سنرى بأنّها تفسر نسبة صغيرة جداً من ارتفاع متوسط السعر في الولايات المتحدة «10% فقط». وقد ساهم ارتفاع تكاليف العمالة بحوالي 25% من الزيادة في متوسط الأسعار خلال الفترة ما بين 2020 و2022. أمّا ما تبقى من الثلثين تقريباً، فالسبب فيه هو رفع هامش الربح ليساهم بذلك في 65% من متوسط الأسعار خلال الفترة المذكورة ذاتها. في الحقيقة، يستحيل تفسير الازدياد المطرد في الأسعار إذا ما تجاهلنا الزيادة في متوسط هامش الربح.
تحت شعار «لا تدع الأزمة تذهب سدى» استغلّت الشركات الكبيرة– في مختلف القطاعات– الفرصة لزيادة هوامش الربح والأرباح لصالح المساهمين، وتكاليف تضخمية على حساب بقية المجتمع، لأنّهم ببساطة كانوا قادرين على فعل ذلك. ما حدث وما يزال يحدث بشكل أساسي، هو أنّ الشركات المهيمنة تستخدم البيئة التضخمية كذريعة لرفع الأسعار أكثر من اللازم، لأنّهم يعرفون أنّ منافسيهم سيفعلون الشيء نفسه. كتب جون سيندرو في وول ستريت جورنال نفسها منذ فترة وجيزة: «يبدو أنّ الشركات التي تتخوّف في الأوقات العادية من إغضاب العملاء بالتغييرات الكبيرة في الأسعار، قد استغلت ذريعة التضخّم المعمَّم لحماية هوامشها الربحية». لكن سيندرو لم ينتبه إلى أنّ الشركات لم تحمِ هوامشها وحسب، بل كما أثبتنا زادتها بنسبة وسطية 65%. وهذا الهامش الوسطي ليس بعيداً عن الهوامش الفعلية التي تحصدها الشركات، فشركات إكسون موبيل كمثال، لديها زيادة هوامش ربح تتخطى الـ 45%، بينما زادت هوامش ربح شركات فورد تيسلا وجنرال موتورز وماكدونالدوز وساب واي بنسبة 25%. هذه الزيادة في هوامش الربح جاءت من الفراغ، ولم تأتِ كتعويض عن ارتفاع أسعار المُدخلات الوسيطة.
بتصرّف عن:
Profit Inflation Is Real
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1131