عملات مدعومة بالذهب للاستبدال الدولار!
إحدى النقاط الرئيسية التي استخلصت من الحدث السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هي ما قاله وزير المالية السعودي بشكل واضح بأنّ الرياض: «ستأخذ بالاعتبار التجارة باستخدام عملات أخرى غير الدولار الأمريكي...». الأمر الآخر أنّ البنكين المركزيين الإيراني والروسي يدرسان اعتماد «عملة مستقرة» لتسويات التجارة الخارجية، لتحل محل الدولار الأمريكي والروبل والريال. إنّ المجموعة التي تفكّر بالعملات الرقمية قد بدأت بحمل السلاح بالفعل، وهم يفكرون في إيجابيات العملات الرقمية المدعومة من البنوك المركزية «CBDC» لاستخدامها في التجارة، والتي ستكون منيعة أمام الدولار الأمريكي المستخدم كسلاح.
ترجمة: قاسيون
المسألة الجذابة في العملة الرقمية المدعومة بالذهب أنّها ستكون فاعلة بشكل خاص في منطقة أستراخان الاقتصادية على بحر قزوين. أستراخان هي الميناء الرئيسي الروسي المشارك في «ممر الشحن الشمالي الجنوبي الدولي INTSC» حيث تتم معالجة البضائع الروسية التي ستسافر عبر إيران في سفن تجارية على طول الطريق إلى غرب آسيا وإفريقيا والمحيط الهندي وجنوب آسيا. سيعتمد نجاح INTSC المرتبط تدريجياً بالعملة الرقمية إلى حد كبير على ما إذا كانت عشرات الدول الآسيوية وغرب آسيا وإفريقيا ترفض تطبيق العقوبات التي تمليها الولايات المتحدة على كلّ من روسيا وإيران. إنّ الجزء الخاص بالتبادل بين إيران وروسيا من INTSC يمثّل وحده أعمالاً بقيمة 25 مليار دولار.
يأتينا بعدها ثالوث INTSC المرتبط بالطاقة، وأطرافه روسيا وإيران والهند. ارتفعت مشتريات الهند من الخام الروسي، وهي ثالث أكبر مستورد نفط في العالم. في كانون الأول الماضي تلقت 1,2 مليون برميل من روسيا، ما جعل روسيا تحتل مرتبة المورد الأول لدلهي.
عامل آخر يجب ألّا يغيب عن البال هو أنّ جنوب إفريقيا تستلم قيادة بريكس هذا العام، وهو الذي سيبدأ فيه التوسّع نحو بريكس+ مع قائمة من المرشحين تشمل الجزائر وإيران والأرجنتين وتركيا والسعودية والإمارات. أعلن وزير خارجية جنوب إفريقيا بأنّ بريكس تريد إيجاد طريق يتجاوز الدولار الأمريكي ويخلق بالتالي: «نظام مدفوعات أعدل لا ينحرف تجاه الدول الأكثر ثراء».
كانت الفكرة الرئيسية لعملة R5 «أحرف أسماء عملات دول بريكس الأولى» تدور حول سلّة عملات شبيهة لنموذج «حقوق السحب الخاصة SDR»، مكونة من العملات الوطنية لأعضاء بريكس. وكما يشرح ياروسلاف ليسوفوليك، رئيس قسم التحليل في سبيربنك الروسي: «ذلك منطقي لكونها من العملات الأكثر سيولة في الأسواق الصاعدة... من المؤكد تقريباً أنّ اليوان الصيني سيكون بارزاً منذ البداية، مستفيداً من وضعه المتقدم بالفعل كعملة احتياطية». ومن بين العملات المرشحة المحتملة التي يمكن أن تصبح جزءاً من سلّة R5+ لدينا الدولار السنغافوري والدرهم الإماراتي.
يقول ليسوفوليك: «على المدى الطويل، ستبدأ R5 الخاصة ببريكس بلعب دور في المدفوعات/التسويات، وكذلك حفظ القيمة/الاحتياطي للبنوك المركزية في اقتصادات السوق الصاعدة».
معيار ذهب جديد
يتقاطع مشروع R5 وR5+ الذي يسعى إلى بناء نظام مالي دولي أكثر أماناً مع ما يتمّ تصميمه في «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي» بقيادة وزير الاقتصاد الكلي سيرجي غلازييف. في آخر ورقة بحثية لغلازييف «الروبل الذهبي 3.0»، أشار مباشرة إلى تقريرين شهيرين اليوم للإستراتيجي في بنك كريدي سويس زولتان بوزسار، الذي عمل سابقاً في البنك الدولي والاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية. بوزسار من أشد المؤيدين لاتفاقية بريتون وودز 3، وهي الفكرة التي حظيت باهتمام هائل بين الحشد المتشكك من الاحتياطي الفدرالي. الأمر المثير للاهتمام أن بوزسار يقتبس الآن بشكل مباشر من غلازييف الروسي، والعكس بالعكس، مما يدل على تقارب رائع في الأفكار.
لنبدأ بتشديد غلازييف على أهمية الذهب. يشير إلى التراكم الحالي للأرصدة النقدية بمليارات الدولارات في حسابات المصدرين الروس بالعملات «الناعمة» في بنوك الشركاء الاقتصاديين الأجانب الرئيسيين لروسيا: دول الاتحاد الأوراسي، والصين، والهند، وإيران، وتركيا، والإمارات. ليتابع بعدها في شرح قدرة الذهب على أن يكون أداة متميزة في محاربة العقوبات الغربية إن تمّت إعادة حساب أسعار النفط والغاز، والأغذية والأسمدة، والمعادن والمعادن الصلبة: «تثبيت سعر النفط بالذهب عند مستوى برميلين لكل غرام سيعطي زيادة ثانية في سعر الذهب بالدولار وفقاً لحساب إستراتيجي كريدي سويس زولتان بوزسار. سيكون هذا استجابة مناسبة [للسقوف السعرية] التي قدمها الغرب. ويمكن أن تحل الهند والصين محل تجار السلع العالميين بدلاً من غلينكور أو ترافيغورا».
يمهد غلازييف الطريق نحو «الروبل الذهبي 3.0». بدأ الأمر بقيام عائلة روتشيلد بالضغط في القرن التاسع عشر لإقرار معيار الذهب، وهو «ما أعطاهم الفرصة لتركيع قارة أوروبا للنظام المالي البريطاني عبر قروض الذهب...لتقدم عملية التراكم الرأسمالي». ثمّ جاء الروبل الذهبي 2.0 بعد بريتون وودز «ليضمن تعافياً اقتصادياً سريعاً بعد الحرب» لكن بعدها «قام خروتشوف بإلغاء ربط الروبل بالذهب، ونفذ إصلاحاً نقدياً في عام 1961 بتخفيض فعلي لقيمة الروبل بمقدار 2.5 مرة، ليهيّئ الظروف للتحول اللاحق لروسيا إلى ملحق المواد الخام للنظام المالي الغربي».
إنّ الدولار الأمريكي، بوصفه قطعة ورق لا قيمة لها، سيتمّ محوه إن تمّ ربط العملة الجديدة بالذهب كما يشير غلازييف، والسبب أنّ نظام بريتون وودز لم يعد له قاعدة ذهبية ولا قيمة حقيقية، مثله في ذلك مثل عملية الكريبتو FTX. كما يبدو أنّ خطة غلازييف تريد ربط العملة الجديدة بالنفط والغاز الطبيعي ما يجعلها الفائزة دون شك. قد يكون البناء هذا بأكمله قد أنشئ على ما أشار إليه بوزسار بالقول: «السبعة الكبار في الشرق».. الخمسة الحاليون في بريكس إضافة إلى اثنين من الأعضاء الجدد في بريكس+».
يقترح غلازييف الآن أن تقوم روسيا بتعزيز التعدين ليشكل 3٪ من ناتجها المحلي الإجمالي: أساس النمو السريع لقطاع السلع الأساسية بأكمله «30٪ من الناتج المحلي الإجمالي الروسي». مع تحوّل روسيا إلى رائدة عالمية في إنتاج الذهب، ستحصل على «روبل قوي، وموازنة قوية، واقتصاد قوي». لقد كان أساس هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي الذي جاء مع بريتون وودز أنّها كانت تحوز على معظم ذهب البنوك المركزية وتسيطر على نصف الناتج المحلي الإجمالي للعالم.
يفهم بوزسار تماماً كيف يتابع غلازييف صيغة تتضمن سلة من العملات، ويفهم الدافع نحو البترويوان، ويصف التداعيات الصناعية لذلك: «إن نظرنا إلى كون روسيا وإيران وفنزويلا يمثلون حوالي 40٪ من احتياطات النفط المؤكدة في العالم، وكلّ منها تبيع النفط للصين مقابل الرنمينبي بحسومات كبيرة، سنفهم قرار شركة BASF بتقليص عملياتها الرئيسية في لودفيشافن الألمانية وتحويل صناعتها الكيميائية إلى الصين، فالصين تؤمن الطاقة بأسعار مخفضة وليس بتعويض ارتفاع الأسعار كما في أوروبا».
قد تكون الإمبريالية استولت على أوروبا في الوقت الراهن، ولكن ما يهم حقاً من الناحية الجيوسياسية هو قرار الغالبية المطلقة من دول الجنوب العالمي بالالتزام بالكتلة التي تقودها روسيا والصين. قد لا تكون الهيمنة الاقتصادية لبريكس+ على بعد أكثر من 7 سنوات، ولهذا فربّما البداية تكون بعملة جديدة.
بتصرّف عن:
Global South: Gold-backed currencies to replace the US dollar
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1108