الاعتماد الأمريكي على اليورانيوم الروسي
ربّما تكون أزمة الطاقة التي تفاقمت في الأشهر الأخيرة بسبب سياسة العقوبات المناهضة لروسيا هي أسوأ أزمة من نوعها منذ عام 1973. لقد أثّرت على جميع الدول الغربية، وبينما يستمر البحث عن مصادر جديدة للطاقة لتوليد الكهرباء على نطاق صناعي، تبقى محطات الطاقة النووية بمثابة شريان حياة للعديد من الدول الرائدة في العالم. كلّ هذا دفع الدول إلى إعادة النظر في إمكانية استخدام الطاقة النووية لمواجهة أزمة الطاقة، ولتحليل حالة سوق الوقود النووي وقدراتها الخاصة في هذا المجال.
ترجمة: قاسيون
الولايات المتحدة ليست استثناءً في هذا الصدد. بالنظر إلى أنّ الولايات المتحدة هي الرائد العالمي في القدرة النووية المركبة، فقد تمّ التفكير بجدية في هذه القضية أيضاً. اعتباراً من تشرين الثاني 2021 كان لدى الولايات المتحدة 93 مفاعلاً نووياً مجمعة في 56 محطة نووية تقع في 28 ولاية مختلفة «من أصل 50»، مع طاقة كلية 95.5 غيغا واط والتي تولّد 19,7٪ من الكهرباء في البلاد.
وكما هو معروف فاليورانيوم هو الوقود للمفاعلات النووية في محطات الطاقة. لكن، وعلى عكس روسيا، لا تنتج الولايات المتحدة اليورانيوم ولا تعالجه، كما أنّها لا تمتلك احتياطات من اليورانيوم، والتي فكرت الولايات المتحدة في إنشائها، لكنها لم تفعل ذلك أبداً. حتى في ذروتها في عام 1980، كانت الولايات المتحدة قادرة فقط على إنتاج 40٪ من القضبان النووية التي تحتاجها لصناعة الطاقة النووية. بينما تقدّم روسيا وكازخستان وأوزبكستان قرابة 50٪ من اليورانيوم اللازم للصناعة الأمريكية، حيث حصّة روسيا من احتياجات الولايات المتحدة من اليورانيوم 20٪. في 2021 استوردت الولايات المتحدة ما قيمته 670 مليون دولار من اليورانيوم المخصب والنظائر المشعة من روسيا.
ازداد اعتماد الولايات المتحدة على اليورانيوم الروسي إلى حد كبير، لأن تكنولوجيا التخصيب بالطرد المركزي السوفييتية كانت أكثر كفاءة في استخدام الطاقة بنحو 10 أضعاف تلك التي تمّ تطويرها في الولايات المتحدة، وبالتالي أدّت لانخفاض تكاليف القضبان النووية.
في عام 1993 أبرمت روسيا والولايات المتحدة اتفاقية شراء اليورانيوم عالي التخصيب لمدة 20 عام، والمعروفة أيضاً باسم «برنامج ميغا طن إلى ميغا واط» أو اتفاقية غور– تشيرنوميردين نسبة لأسماء الموقعين عليها، التي نصت على التحويل التجاري لليورانيوم عالي التخصيب إلى يورانيوم منخفض التخصيب لغرض تصنيع الوقود لمحطات الطاقة النووية الأمريكية من قبل مؤسسات الصناعة النووية الروسية. نص الاتفاق على أنّه كجزء من نزع السلاح النووي الذي أعلنه الجانبان، سيتم استخدام 500 طن من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة «أي 20 ألف رأس حربي نووي روسي سابق» لقضبان وقود المفاعلات. أرادت الولايات المتحدة إضافة نفس المبلغ. في الواقع، كانت تأمل ببساطة في نزع سلاح روسيا بأيديها وتحقيق ربح كبير من الأمر، مع الحصول على وقود نووي شبه مجاني. لكن النتيجة كانت أن تقنية التخصيب الأمريكية الخاصة ظلت على المستوى المتدني التي كانت فيه أوائل التسعينيات، بالإضافة إلى أنّه لم تكن هناك أية قدرة سابقة تقريباً.
قال سيرجي كيرينكو، عندما كان رئيساً لشركة «روسأتوم» ذات مرة: إنّ واحداً من كلّ عشرة مصابيح كهربائية في الولايات المتحدة يشتغل من الطاقة المستمدة من اليورانيوم الروسي. خلال العشرة أعوام التي تلت برنامج ميغا طن إلى ميغا واط، أرسلت روسيا إلى الولايات المتحدة 14,440,000 طن من اليورانيوم المعاد تخصيبه من 500 طن من الرؤوس الحربية النووية السابقة المحشوة بالمواد النووية. تمّ استخدامهم لتوليد أكثر من 7 ترليون كيلوواط ساعي من الكهرباء بواسطة محطات الطاقة النووية الأمريكية، وهي ما يقرب من سبعة أضعاف إجمالي الناتج السنوي لروسيا، على سبيل المثال: «في عام 2021 أنتجت روسيا 1,13 ترليون كيلوواط ساعي من الكهرباء». على الرغم من انتهاء صلاحية برنامج ميغا طن إلى ميغا واط في عام 2013، استمرت روسيا مع ذلك بتصدير القضبان النووية إلى الولايات المتحدة، على الرغم من أنّها لم تعد تستخدم المواد النووية المحشوة في الرؤوس الحربية السابقة منذ ذلك الحين.
يُجبر الوضع الحالي في الولايات المتحدة- من حيث إمداد الوقود لمحطات الطاقة النووية الأمريكية، واشنطن بشكل خاص- على تحفيز فرص تخصيب اليورانيوم على أراضيها. لن يكون من الممكن استبدال الواردات من روسيا بمصادر من أيّة دولة أخرى، وذلك وفقاً لتقرير من مؤسسة «واشنطن إكزامينر» التي نقلت عن مساعدة وزير الطاقة الأمريكي، كاثرين هوف. لهذه الغاية اقترح عضوا الكونغرس الجمهوريان دان نيو هاوس وأوغست فلوغر في شهر حزيران الماضي أن يتم تحديد اليورانيوم كمادة خام استراتيجية. في مذكرتهما التفسيرية، أشار عضوا الكونغرس إلى أنّ الولايات المتحدة تعتمد حالياً على روسيا وحلفائها في إمدادات اليورانيوم، وهي مادة خام رئيسية لعدد من القطاعات في الاقتصاد الأمريكي، بما في ذلك قطاعا الطاقة والرعاية الصحية. في الوقت نفسه يشير المشرعان إلى أنّ السياسات غير الحكيمة للإدارة الأمريكية الحالية، هي التي أدت إلى تفاقم حالة الطاقة الأليمة الحالية في البلاد، من خلال السماح للحكومات الأجنبية، وحتى الحكومات المنافسة استراتيجياً، مثل: فنزويلا والصين وإيران، بالهيمنة على صناعة الطاقة، وبالتالي إجبار الناس على الاعتماد على الواردات المكلِفة بدلاً من الإنتاج المحلي.
وقد أعلنت هوف في وقت سابق عن مخاوفها من احتمال انقطاع إمدادات اليورانيوم المخصب من روسيا. وفقاً للدراسة، ستؤدي مثل هذه الخطوة إلى إغلاق معظم وحدات الطاقة في محطات الطاقة النووية في الولايات المتحدة، وانهيار نظام الطاقة بأكمله في البلاد. في هذه الأثناء، تخيف وسائل الإعلام الأمريكية جمهورها، في خضم جنونها المعادي للروس، بالقول بأنّ روسيا يمكن أن تلحق أضراراً كبيرة بالولايات المتحدة من خلال تخفيض إمدادات الوقود النووي إلى النصف. يمكن لهذا بدوره أن يؤدي إلى ارتفاع فوري وحاد للغاية في أسعار الكهرباء في الولايات المتحدة، والذي يمكن أن يكون ضربة خطيرة للغاية للأمريكيين والاقتصاد الأمريكي على خلفية ارتفاع أسعار النفط والغاز، بسبب سياسة العقوبات التي تفرضها واشنطن.
يعتبر هذا التخويف من البعبع الروسي مذهلاً بشكل كبير بالنظر إلى تصرفات الولايات المتحدة نفسها، التي فرضت في 8 آذار حظراً على واردات الطاقة من روسيا– النفط والمنتجات النفطية، والغاز الطبيعي المسال، والفحم. لم تقم الولايات المتحدة بفرض عقوبات على اليورانيوم الروسي، والسبب واضح هو مخاوف البيت الأبيض من أنّ أمن الطاقة في أمريكا يعتمد بشكل مباشر على اليورانيوم الروسي.
واليوم، وسط تأجيج واشنطن المكثف لهستيريا العقوبات غير القانونية ضدّ روسيا، نعود إلى ما قاله نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك في 21 آذار، بأنّ الحكومة الروسية تدرس مسألة حظر إمدادات اليورانيوم إلى الولايات المتحدة، رداً على سياسة واشنطن المعادية لروسيا، والحظر المفروض على موارد الطاقة الروسية. ما الذي سيحدث إن قامت روسيا بالفعل بهذه الخطوة؟
بتصرّف عن:
journal-neo.org
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1089