هل مشتريات العيد هي سبب التضخم في أمريكا؟
أوديت الحسين أوديت الحسين

هل مشتريات العيد هي سبب التضخم في أمريكا؟

ترتفع الأسعار في الولايات المتحدة مع قدوم موسم الشتاء والأعياد، وذلك بنسب كبيرة. ارتفعت تكاليف الطاقة بنسبة 30% خلال 12 شهر، وارتفعت أسعار الأغذية– اللحوم والألبان والسمك والبيض– بنسبة 12% خلال الفترة ذاتها، وهي مستمرة بالارتفاع.

إجمالاً، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 6,2% في شهر تشرين الأول، بالمقارنة مع العام الماضي، وهو أكبر ارتفاع منذ كانون الأول/ أكتوبر 1990. وفقاً لوزارة العمل، فقد قضى ذلك على أيّة زيادات في أجور العمال، حيث تهاوت الأجور الحقيقية بنسبة 0,5% ما بين أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر الحالي.
يحاول ممثلو الرأسمالية إلقاء اللوم على الشعب الذي– وفقاً لهم– يستخدم أموال التحفيز الحكومية للشراء، ما خلق ضغطاً على الطلب. قال نيل كاشكاري، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي في مينابوليس، بأنّ الأمور ستزداد سوءاً في الأشهر المقبلة، وكرر لومه الشعب على الأمر، واعتبر كذلك بأنّ عقبات سلاسل التوريد المتعلقة بالوباء لها دور في ذلك.

تعصر الجيبة

تقول كلوديا سام، الزميلة في معهد Jain Family بأنّ الأسعار المرتفعة تشكّل عائقاً أمام الناس العاديين، وتحديداً الأسر ذات الدخل المنخفض الذين ينفقون معظم أموالهم على الأساسيات. ترى سام، بأنّ المشكلة تعود بجذورها إلى كوفيد، ولهذا ترى بأنّ الحلّ الوحيد لها هو صحي.
لكن سام ترى بأنّ الحل الصحي طويل الأمد، ولهذا تدعو البيت الأبيض وحكومات الولايات– إضافة لتطعيم الناس بشكل واسع، إلى اتخاذ إجراءات سريعة لمنع ارتفاع الأسعار، منها: استخدام الاحتياطات الاستراتيجية للنفط، وتخفيض الرسوم الجمركية التجارية، والاستمرار في تعزيز الموانئ لتسريع معالجة البضائع على المدى القصير.
أمّا بيا مالاني، المؤسسة المساعدة «لمركز الابتكار والنمو والمجتمع»، فحذّرت من محاولة التراجع عن خطط التحفيز، وعن خطط BBBBp بتحميل المستهلكين المسؤولية، حيث قالت بأنّ أكثر الإنفاقات المقترحة ستعالج بشكل محدد مشاكل سلاسل التوريد والعمالة التي تدفع التضخم.
ركزت مالاني على أنّ كبح الاستثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية بهدف تخفيف الإنفاق، سيعني: أنّ التكاليف على كلا الأفراد والاقتصاد الكلي ستكون أكثر تكلفة.

تكرار السبعينيات؟

حذّر البعض من أنّ مشكلة التضخم ستتعزز، ولن تكون عابرة كما قال الاحتياطي الفدرالي، وبأنّ الأمريكيين سيشهدون تضخماً مصحوباً بالركود Stagflation كما حدث في السبعينيات.
تناول أكيل فيكس الأمر بشكل مفصّل، حيث قال بأنّ النيوليبراليين يريدون من الناس أن تضحي بحِزم التحفيز والمساعدات في سبيل تخفيض الأسعار، ولكنّ النيوليبراليين بذلك يحاولون إعادة التضحية بالعمال في السبعينيات بإلقاء اللوم على الطلب.
بعد فشل الكينزية بتفادي تصاعد المشاكل في الاقتصاد الأمريكي، رغم قيام نيكسون بالتدخل لمحاولة تصحيح الخلل، وتخفيف التناقضات بين الرأسماليين والعمال، جاءت النيوليبرالية لتنقل عبء الحفاظ على المجتمع من الدولة والشركات إلى الأفراد المعزولين، بحيث نقلت في خطابها اللوم في ارتفاع الأسعار إلى المستهلكين.
حاول نيكسون في حينه التعامل مع التضخم بفرض سيطرة على الأسعار والأجور. كان لهذا تأثير فوري على تخفيف قلق الجمهور بشأن ارتفاع التكاليف، ولكن من الناحية السياسية، كان من الصعب الحفاظ على مثل هذا الاقتصاد وقت السلم. لم تدم ضوابط نيكسون للأسعار طويلاً، حيث ضغطت الشركات من أجل تحرير الأسعار، مدعية بأنّها أثّرت في قدرتها على الإنتاج. كما أزعجت ضوابط الأجور النقابات التي كانت متضايقة من حقيقة أنّ صلابة يد نيكسون على الأجور لم تكن بالصلابة ذاتها على الأسعار.
بدأت أفكار ميلتون فريدمان النيوليبرالية بالانتشار، والتي اعتبرت التضخم ناجماً عن عنصر وحيد، هو النمو في التوريدات المالية. بمعنى آخر، العامل الوحيد– وفقاً لفريدمان– الذي يدفع التضخم هو التسهيل النسبي للناس والأعمال كي تقترض، وعدم وجود حافز للادخار.
استخدم بول فولكر– الذي تمّت تسميته رئيساً لمجلس الاحتياطي الفدرالي في 1979– أفكار فريدمان لتبرير رفع أسعار الفائدة بشكل كبير. كانت النتيجة ركوداً اقتصادياً متتالياً أدّى إلى تخفيض الطلب، وفي نهاية المطاف إنهاء التضخم الجامح. أصبح هذا معروفاً باسم صدمة فولكر.
جميع من يطالب اليوم «بصدمة أخرى» يبرر عمل فولكر بأنّه شرّ لا بدّ منه، وأنّ التكلفة الباهظة على العامة التي نجمت عنه كانت ضرورية حيث لا خيار آخر. لكن علينا أن نفهم، أنّ التكلفة الباهظة البشرية يجب أن تكون جزءاً أكثر بروزاً في الحديث، خاصة أننا ما زلنا حتى اليوم ندفع ثمن هذه «الضرورة».

التكلفة كبيرة

كان لرفع سعر الفائدة تأثير مدمّر على الإنتاجية في الولايات المتحدة في الثمانينيات. أغلقت الكثير من المصانع لعدم قدرتها على سداد الديون، أو الاستثمار في مشاريع إنتاجية جديدة. كان القطاع الصناعي هو أكثر من تأذى بين الأعمال. ضرب الركود الاقتصادي المراكز الصناعية في فلينت وميشيغان وأوهايو ووسط بنسلفانيا.
ارتفعت معدلات الانتحار وإدمان الكحول بشكل غير مسبوق. فاضت ملاجئ المشردين. وكان– كعادة الولايات المتحدة– على العمال السود أن يتحملوا التكلفة بشكل غير متناسب، حيث بلغ معدل البطالة بين الأمريكيين السود 21,2% في عام 1983.
لم تقتصر تأثيرات صدمة فولكر على الحدود الأمريكية، فقد وجدت دول الجنوب العالمي نفسها غير قادرة على سداد الديون للبنوك الأمريكية. بعد تقلص المداخيل من صادراتها بسبب توسّع العولمة، وجدت العديد من البلدان نفسها في أزمات مالية غير متوقعة.
كانت النتيجة، تدخل صندوق النقد الدولي لإنقاذ هذه البلدان على حساب تحميلها ديوناً دائمة لصالح الدول الغربية. تمّ إجبار الدول على التقشف، وتم تقليص البرامج الوطنية التي توفر التعليم والخدمات الاجتماعية، ما أعاق بشدة أيّ جهد جدي لمكافحة الفقر.
كانت التكاليف هائلة، ولكن طالما أنّها لم تعنِ تأثيراً طويلاً على أرباح المؤسسات المالية، فقد تم اعتبارها «الطريقة الوحيدة» للتعامل مع التضخم. قام فريدمان وآخرون بالتأسيس لمبدأ «مفهوم معدل تضخم غير متسارع للبطالة NAIRU»، والذي يعني أنّ مستوى معيناً من البطالة يجب الحفاظ عليه كحصن ضدّ ارتفاع الأجور التضخمي. وفي أيّ وقت يصبح فيه معدل البطالة أخفض من هذه النسبة، نكون أمام احتمال تفجر تضخمٍ حتمي.
الحلول الوحيدة طويلة الأمد للتضخم الحالي، هي قيام الحكومة بالاستثمار في زيادة القدرة الإنتاجية في القطاعات الرئيسية من أجل تحقيق أرباح متزايدة. الاستثمار في الطاقة المتجددة لن يكون مفيداً للكوكب فقط، بل أيضاً لاستقرار أسعار الطاقة. من المهم تجديد نظام الموانئ الحالي، وتوظيف المزيد من العمال في بيئات عمل أفضل كي نتخلص من تراكم الأعمال الذي نراه في أماكن، مثل: لوس أنجلس، بما سيساعد على تخفيف الضغوط التضخمية.
وكما تقول لين بارامور، الباحثة الرئيسة في INET: عدم تطبيق الحلول اللازمة التي تتطلب التعاون من جميع الجهات الفاعلة، سيعني ترك الأمريكيين أمام حلول مصطنعة تستهلك الجهد ولا تنجح.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1047
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون1/ديسمبر 2021 13:17