المخدرات وأفغانستان
أوديت الحسين أوديت الحسين

المخدرات وأفغانستان

جرّب أن تكتب في محركات البحث كلمتا «مخدرات أفغانستان»، وسينهال عليك سيل من المقالات والتحليلات والتخويف في وسائل الإعلام الغربيّة من أنّ طالبان ستُغرق العالم بالأفيون والمخدرات. مع أنّ طالبان في أوّل تصريح رسمي لها بعد سيطرتها على أفغانستان أثناء فترة الانسحاب الأمريكي، أعلنت بأنّها، ومن تاريخ التصريح، ستوقف إنتاج المخدرات بكافة أنواعه في البلاد، وطلبت من المجتمع الدولي مساعدة المزارعين على استبدال الخشخاش بمحاصيل أخرى.

لا نهدف في هذا المقال إلى الدفاع عن طالبان أو ذمّها، ولكن يتحتّم علينا أن نُذكّر بالمسؤول الحقيقي عن التنامي الصارخ لزراعة الأفيون وإنتاج الهيروين في أفغانستان، وأن ندرك بذلك من المستفيد الحقيقي منه.

في عام 2001، أي قبل غزو الولايات المتحدة لأفغانستان، قامت طالبان بالتعاون مع الأمم المتحدة بفرض حظر على زراعة الأفيون أدّى إلى تقليص إنتاجه بنسبة تزيد عن 90%. في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أقيمت في تشرين الأول 2001، والتي جرت بعد أيام قليلة من بداية الغزو الأمريكي لأفغانستان، صدر التقرير صريحاً بالإعلان بأنّ البلد الوحيد الذي تمكن من تحقيق هذا الإنجاز هو أفغانستان، حيث كان الإنتاج في 2001 هو 185 طناً بالمقارنة مع إنتاج عام 2000 البالغ 3300 طن، أي بنسبة أدنى بمعدل 94%، وأدنى بنسبة 97% عن الإنتاج في 1999 البالغ 4700 طن.
حاولت واشنطن في حينه الادعاء بأنّ طالبان لم يخفضوا الإنتاج حقيقة، بل فعلوا ذلك كنوع من الاستعراض، بينما خزنوا الأفيون كي يرفعوا سعره عالمياً. لكنّ مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات في باكستان دحضت هذه الادعاءات بتقرير أكّد عدم وجود دليل على تخزين طالبان للمخدرات.

بين الفشل والتواطؤ

في أعقاب غزو الأمريكيين وحلفائهم لأفغانستان، كلّفت مجموعة الثمانية حكومة توني بلير لتنفيذ برنامج للقضاء على المخدرات وزراعة الأفيون ودفع المزارعين لاستبدالها بزراعات أخرى. لكن بات واضحاً منذ فترة مبكرة أنّ تكليف بلير لم يكن أكثر من دخانٍ للتورية، فمنذ دخول الاحتلال وإنتاج أفغانستان للأفيون يتزايد بشكل صارخ، حيث بلغ في 2003 3600 طن، وفي 2020 وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة بلغ الإنتاج 6300 طن بزيادة بنسبة 37% عن عام 2019.
من المهم أن ندرك، وكما بينت وثائق فضيحة إيران-كونترا في الثمانينات، بأنّ «بنك التجارة والائتمان الدولي» كان مرتبطاً بالمخابرات المركزية الأمريكية حيث كان مسؤولاً عن غسيل أموال المخدرات لتمويل المجاهدين، وتمّ تدوير الأموال القذرة عبر عدد من المؤسسات المصرفية في «شرق المتوسط»، وكذلك عبر شركات وهمية تابعة للمخابرات المركزية.
وكما أكدت دراسة للباحث ألفريد ماكوي أنّه في غضون عامين من إطلاق عملية المخابرات المركزية في 1979: «أصبحت الحدود الباكستانية-الأفغانية أكبر منتج للهيروين في العالم، حيث لبّت 60% من الطلب الأمريكي. وفي باكستان، انتقل عدد المدمنين على الهيروين من الصفر تقريباً في عام 1979، إلى 1.2 مليون بحلول عام 1985، وهو ارتفاع أكثر حدّة منه في أيّة دولة أخرى».
وكما أوضح التقرير: فقد كان المجاهدون الذين يسيطرون على الأراضي، يجبرون الفلاحين على زراعة الأفيون «كضريبة ثورية». في تقرير للأمم المتحدة في 1994 بلغت عائدات تجارة المخدرات العالمية، عائدات تجارة النفط ذاتها، وكان 400 إلى 500 مليار دولار منها من أفغانستان الذي سيطرت عليه المخابرات المركزية.
في عام 2003، بعد الغزو الأمريكي مباشرة، ارتفع إنتاج الأفيون في أفغانستان إلى 3600 طن، ما سمح بإنتاج 360 ألف كيلوغرام من الهيروين النقي، وذلك وفقاً لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات. تبلغ عائدات المزارعين الأفغان منها حوالي مليار دولار، بينما يحقق التجّار المحليون قرابة 1,3 مليارات دولار. وعند بيعها في الأسواق الغربية «إذا كانت نسبة النقاء 70%»، بلغت أرباح التجّار الغربيين 51,4 مليارات دولار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1033
آخر تعديل على الإثنين, 30 آب/أغسطس 2021 23:52