أقل مستوى تاريخي لربح الدولار... التراجع (عميق وقديم)
ليلى نصر ليلى نصر

أقل مستوى تاريخي لربح الدولار... التراجع (عميق وقديم)

العديد من مؤشرات التدهور الاقتصادي العالمي تمّ ربطها بـ (أثر فيروس كورونا) خلال الأسابيع الماضية، ولكنّ مؤشر تراجع عائدات سندات الدولار إلى أقل مستوى تاريخي لها، كان أكثر المؤشرات تداولاً... لأنه تعبير عن تصدّع في الربح المالي الذي غطّى على التراجع المستمر في الربح الحقيقي الأمريكي منذ أكثر من 60 عاماً، وهو ما يتجاوز أثر الفيروس أو أي عامل طارئ آخر، ويعتبر واحداً من مؤشرات عمق الأزمة.

تراجعت تقديرات المستثمرين للعوائد المتوقعة من شراء سندات الدَّين الأمريكي إلى قرابة 0,7% للسندات التي تُشترى اليوم وتستحق بعد 10 سنوات. وهي أقل قيمة مسجّلة لهذا المؤشر تاريخياً، ومنذ إصدار سندات دَين الدولار الأمريكي.
إذ ينخفض معدل العائد إلى قرابة نصف بالمئة فقط، وهو معدل ربح مالي منخفض جداً، ويحمل تعبيرات عن مستوى تراجع معدل الربح العالمي عموماً، والربح المالي تحديداً، لواحدة من أكثر الأوراق المالية قوّة وضماناً عبر العالم: سندات دَين الدولار المدعومة بوزن الحكومة الأمريكية.
يربط البعض هذا التراجع السريع خلال الأسابيع الماضية، بتدفق المستثمرين إلى الاستثمار بسندات الدولار، هروباً من سوق أسهم الشركات التي تراجعت بحدّة مع التراجع الاقتصادي الناجم عن التوقف الصيني بسبب تفشِّي الفيروس. كما يربطه آخرون بالتخفيض الطارئ لأسعار الفائدة الذي أعلنه البنك الفيدرالي الأمريكي نتيجة (لكارثة الكورونا) أيضاً!
ولكن رغم هذا الربط بين الفيروس وتراجع عوائد الدولار، إلّا أن أحداً لا يتوقع أن يعود هذا المؤشر إلى الارتفاع حتى لو تجاوزت الصين محنتها الاقتصادية، وتعافت سريعاً في الربع الثاني من العام، وذلك لأن هذا المؤشر يتراجع منذ وقت طويل وقد بدأ يسجل مستويات انخفاض قياسية منذ شهر أيلول 2019، بسبب الزيادة الكبيرة في الدَّين الأمريكي، وتراجع الثقة بقدرة الأسواق على توليد الربح من الاستثمار بالدولار.
السندات الحكومية وسندات الدولار تحديداً هي ملجأ مالي استثماري هام في ظل تراجع عالم الاقتصاد الحقيقي، وإذا ما كان الملجأ غير آمن وعوائده تتراجع، فإن هذا يحمل مؤشرات على مستوى تعمّق الأزمة في الاستثمار الحقيقي، وتراجع معدلات الربح في مجال الإنتاج.
وهو ما يظهر أيضاً في الاقتصاد الأمريكي، حيث تتراجع معدلات الربح غير المالي منذ خمسينات القرن الماضي، حيث انخفضت نسبة الربح إلى قيم الأصول في الشركات غير المالية الأمريكية من قرابة 16% في عام 1952 وصولاً إلى معدل يقارب 8% في عام 2018، وفقدت الشركات الإنتاجية والتجارية الأمريكية أكثر من نصف معدل ربحها، وفق بيانات الفيدرالي الأمريكي.
طوال الفترة الممتدة على أكثر من ستة عقود لم يُسجّل معدل الربح المذكور معدلاً أعلى من 16%، وبقي في انخفاض مستمر رغم أنه كان يشهد طفرات ارتفاع، وتحديداً في مطلع الألفية عندما أنقذت طفرة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات معدل الربح الأمريكي، وانتشلته من أقل مستوى مسَّجل له في عام 2002 عند قرابة 3%، لترفعه إلى حدود تقارب 14% بين عامي 2002- 2006، إلَّا أن هذا المعدل هوى سريعاً أيضاً وبمعدل قياسي خلال أزمة عام 2008.
إنَّ الميل العام لمعدل الربح الإنتاجي الأمريكي هو نحو الهبوط، حيث تراجع الربح بالقياس إلى قيمة الأصول المستثمرة طوال المرحلة التي استطاع الاقتصاد الأمريكي أن يهيمن بالمعنى الاقتصادي العالمي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يسجل هذا المعدل أية قدرة على التعافي والعودة إلى مستوياته السابقة في مطلع الخمسينات.

إنَّ مؤشر تراجع معدل الربح غير المالي هو أحد المؤشرات الحاسمة في الأزمة الاقتصادية للمنظومة الرأسمالية العالمية، وتحديداً في مركزها في الولايات المتحدة الأمريكية، التي كان معدل ربحها الإنتاجي يتراجع، ولكنها كانت توسّع ربحها المالي عبر منظومة الدولار العالمي وهيمنة القطاع المالي وتوسيع الديون. ولكن مؤشرات الثقة بالقطاع المالي تسجّل تراجعاً حاداً منذ عام 2005، وتسجل اليوم معدلات تراجع قياسية بمستوى الثقة بقدرة الدولار على تحصيل عوائد في المستقبل. الأمر الذي يأخذه بعض المحللين الأمريكيين كمؤشر حاسم على اقتراب الركود الاقتصادي، فطوق النجاة الأمريكي المتمثل بالدولار بدأ يتصدع أيضاً ويكشف عمق الأزمة.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
956