الوضع الاقتصادي (على كفّ عفريت)!
الوضع الاقتصادي على (كفّ عفريت) هكذا يُقال، الكثير من المخاوف المبنية على تناقضات أزمة أصحاب النفوذ والمال، يدعمها مسار الركود العميق اقتصادياً المتجلي بصعود الدولار، وعموم الفوضى الاقتصادية التي ترفع درجة حرارة المجتمع إلى مستوى غير مسبوق في ظل الوضع الصعب والشعور بالعجز.
بعيداً عن الشائعات السلبية والإيجابية، فإن الوقائع أشياء عنيدة، تثبت نفسها مجدداً ما لم تتغير المعطيات بشكل جذري، والجذري في سورية لا يكون إلا بدخول الناس على خط التغيير، ولا يمكن أن (يأتي من فوق)... فـ (فوق) تتمركز بنية اقتصادية- اجتماعية يعتبر الفساد مصدر دخل وثروة أساس لها، بل إنه عمودها الفقري الذي يحمل جسم من المصالح الموزعة على النخب كلّ وفق دوره ووزنه وإنتاجيته في منظومة نهب ما تبقى من قدرات البلد.
دخل الأثرياء يقلّ!
الوقائع تقول، إن الدخل في البلاد يقل، حتى ما يتدفق على أثرى الأثرياء أصبح مقيداً بالعقوبات وبحجم الحركة الاقتصادية، وبتوقف المعارك والمنافع التي كانت تأتي من اقتصاد العنف، فالبلاد لا تنتج ثروة جديدة، وتقلّص حجم تدفق المال السياسي من الخارج، الذي كان يجد طريقه عبر نقاط الصراع، كما ألغى الأمريكيون بعقوباتهم توقعات تدفق المال الخليجي التي يرسم عليها الكثيرون.
وخلال عام مضى على هذه الحال، حاول أثرياؤنا في أزمتهم أن يشتروا كل ما يمكن شراؤه، وبيضوا أموالهم بالفنادق الضخمة وبالوكالات والعقارات... ومن ثمّ دخلوا على خط خصخصة الأساسيات كالمحروقات وغيرها، ووقّعوا عقوداً استثمارية نسبها استثنائية، ولم يكن من السهل البحث عن منافذ أخرى. وكانت النتيجة أن قلّ عموماً تدفق الأموال من مراكز الفساد إلى شرائحه الدنيا، وبدأت تتوسع السوق السوداء التي تستطيع أن تُدرّ مالاً وفيراً وأصبحت وقائعها يومية: المخدرات والخطف والسلب المباشر وتجارة الأعضاء وغيرها. وإلى جانب كل هذا استمرت وربما توسّعت الظاهرة الدائمة لتهريب الأموال إلى الخارج...
وضع غير قابل للاستمرار
إن أي مراقب لهذا الوضع، يعلم أنه غير قابل للاستمرار، ويعلم أن انعطافة ما ينبغي أن تحصل في الوضع الاقتصادي... ونحن نشهد اليوم معطيات تفسخ في بنية قوى المال والنفوذ السورية، واستعصاءها على تقديم الحلول أو التجاوب معها، لأن أية خطوة للأمام تتطلب انتزاع ثروة من براثن الفساد.
فهل يمكن للبنية الحالية أن تنتزع من الفساد وتدفع الأمور إلى الأمام أو توجد حلولاً؟!
الاحتمال المرجح، أنه لا يمكن لهذه البنية أن تحقق انعطافات للأمام، بل تعيقها، ولكن المسألة لا تتعلق فقط بطبيعة البنى القائمة. بل هي ترتبط بحدة الاحتقان الاقتصادي الاجتماعي، ومستوى الضغط الناجم عن تناقض قوى الفساد الكبير مع كل الشرائح الطبقية السورية، وليس فقراء سورية فقط، لأنها تمتص من الجميع ما لا قدرة لهم على إعطائه. وعدا عن هذا، فإن الوضع الداخلي السوري مسيّس دولياً وإقليمياً في مجمل جوانبه، ويتحول الجانب الاقتصادي إلى أداة أساسية في المعركة. وهنالك أطراف لها مصلحة بالاستقرار الاقتصادي كشرط للاستقرار السياسي، والعكس بالعكس.
وهو ما يظهر في كثير من المبادرات لتفعيل التعاون الاقتصادي وتجاوز العقوبات وإعادة اللاجئين وإعادة الإعمار... ولكن المسألة ليست بسيطة، بدليل إعاقة هذه المبادرات وعدم تفعيلها حتى الآن وحصرها بالكثير من الاتفاقيات والصور دون تنفيذ. فبنية الفساد السوري الكبير تتناقض مع اتفاقيات بين الدول لأنها تلغي العمولات والحصص المباشرة وحصر التوكيلات، أو على الأقل تجعلها أصعب. كما أن الوزن الغربي والعلاقات المتشابكة مع قوى المال السورية تجعل التعامل الجدي مع هذه المبادرات مسألة لها أثمان... أقلها الأموال المصادرة في الغرب، والتي يتم رفع دعاوى من قبل أصحاب النفوذ السوريين لفك أسرها!
الاستقرار السياسي والاقتصادي في سورية مرتبط باجتثاث الفساد الكبير، وهي ضرورة وطنية سورية ليست جديدة، ولكنها تزداد حماوةً، وتوضع تحت الضوء إقليمياً ودولياً نتيجة دورها في تعقيد الوضع أمام استقرار سورية. وإذا لم يتم التعامل معها، فإن نتائج تفاقم الوضع الاقتصادي ستظهر، بموجة هجرة جديدة، وبنقاط مرشحة لدخول الفوضى مجدداً... أو بانفجار بنية الفساد الكبير نفسه كتعبير عن التناقضات غير المحلولة كلها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 930