هل تلجم أميركا تصدّر الصين في الكمبيوترات الفائقة Supercomputers ؟
دخلت الصين سريعاً وبقوة خلال العقد الماضي إلى عالم الصناعات عالية التكنولوجيا... محتلة مواقع متقدمة جداً في العديد من التكنولوجيات العالية، وفي عالم الكمبيوترات عالية الأداء High-Performance Computing تسابق الصين الولايات المتحدة بتسارع قياسي... لتتحول إلى الأولى عالمياً بعدد الكمبيوترات، والقدرات الحسابية الكلية، والأهم يبدو أنها في طريقها لتتصدر العالم في إطلاق الجيل القادم من الكمبيوترات الفائقة exascale computing.
الأمر الذي يشرح استهداف وزارة التجارة الأمريكية صناعات الكمبيوترات الكبرى الصينية الصاعدة بتسارع قياسي، وذلك عبر فرض تقييدات تصدير جديدة، تمنع بموجبها خمس شركات مطوّرة صينية كبرى من دخول سوق التكنولوجيا الأمريكية، في محاولة أمريكية لاستخدام القيود وأدوات الحرب التجارية لإعاقة التقدم التكنولوجي الصيني الكبير.
طالت التقييدات الأمريكية شركات في مجمع سوغون (Sugon)، وكذلك معهد ووكسي جيانغنان (Wuxi Jiangnan) لتكنولوجيا الكمبيوترات، وقد أعلنت وزارة التجارة الأمريكية أسباب المنع على اعتبار أن هذه الشركات الصينية: (تعمل بشكل مضاد لمصالح الأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية... وترتبط سوغان بابتكار مجموعة من المنتجات العسكرية وذلك عبر كمبيوتراتها فائقة الأداء... كما أن ووكسي جيانغان مملوكة لـ المعهد البحثي الـ 56 للعاملين في جيش التحرير الشعبي الصيني، وتدعم عمليات تحديث الجيش الصيني). ويذكر أن قائمة التقييد ستؤثر على مجموعة من شركات التكنولوجيا الأمريكية التي تقوم بأعمال مشتركة مع سوغان الصينية، من بينها منتجو الرقاقات الصغيرة، والأجهزة الدقيقة مثل إنتل (Intel) ونفيديا (Nvidia).
ما هي الكمبيوترات الفائقة؟
تشغّل الكمبيوترات الفائقة، شبكة كبرى من الكمبيوترات، التي تنفذ برمجيات تتعامل مع البيانات الكبرى، وتحل المسائل المعقدة. لقد أصبح توافر استخدام قدرات هذه الكمبيوترات أساسياً ولا غنى عنه للباحثين والشركات والحكومات، في إجرائها لخروقات في مجال الابتكار العلمي والتكنولوجيا. حيث تلعب دوراً هاماً في حقل علوم الكمبيوتر، وفي مجالات واسعة، كتحليل البيانات، ميكانيك الكم، التوقعات الجوية، أبحاث المناخ، استكشاف النفط والغاز، والنمذجة الجزيئية (إنشاء نماذج حاسوبية تحاكي سلوك الجزيئات والمكونات الكيميائية والجزيئات الدقيقة الحيّة, وتستخدم في مجالات علمي الكيمياء والأحياء الرقميين)، والمحاكاة الفيزيائية (مثل محاكاة الطائرات، وديناميكيات المركبات الفضائية، والانصهار النووي)، وكذلك في المجالات المرتبطة بالدفاع كالاتصالات، والتشفير، والإشارات، واختبار وتصميم الأسلحة، وتحديداً النووية.
استثمارات الصين خلال أقل من عقد
خصصت الحكومة الصينية 1.1 مليار دولار على الأقل للاستثمار في هذا المجال بين عامي 2009 حتى 2016, ووضعت أهدافاً للشركات المحلية أن تستحوذ على 60% من سوق الكمبيوترات الفائقة في عام 2020. أنفقت الحكومة الصينية ما يقارب 270 مليون دولار لبناء سنواي تاهولايت (Sunway TaihuLight)، وهو أسرع كمبيوتر فائق في العالم عام 2016، لتسارع الولايات المتحدة بعدها لإنفاق 325 مليون دولار لبناء كمبيوترين فائقين حديثين قد تجاوزا الكمبيوتر الصيني في عام 2018.
الجهود المبذولة في الصين قد حولتها بنجاح إلى قائد عالمي في هذه الصناعة وفق مقاييس: السرعة الإجمالية، مقدرات المعالجة، وإطلاق كمبيوترات مصنعة محلياً (من الألف إلى الياء). ويمكن أن نذكر من الإنجازات الصينية في هذا المجال:
- نجاح الصين في بناء كمبيوترين فائقين كانا الأسرع عالمياً خلال الفترة بين 2016-2018، بسرعة معالجة كانت مساوية لسرعة معالجة الكمبيوترات الفائقة الخمسة اللاحقة ضمن قائمة الكمبيوترات الـ 500 الأكبر عالمياً. وبسرعة معالجة أعلى من الكمبيوتر الأمريكي التالي في القائمة بمعدل 5.3 ضعف. وهذه الكمبيوترات الصينية هي الأولى المجمعة والمصنعة بالصين بشكل كامل.
- أصبحت الصين البلد الأول عالمياً من حيث عدد الكمبيوترات الفائقة بحوالي 229 كمبيوتر صيني ضمن الـ 500 الأكبر في العالم, وتتبعها الولايات المتحدة التي تمتلك 121 كمبيوتر.
- كما تتقدم الصين بسرعة كبيرة في مجال تصميم البرمجيات التطبيقية للكمبيوترات الفائقة، باتجاه تقليص الفجوة بينها وبين الولايات المتحدة في هذا المجال. في شهر 11-2016 تلقى الباحثون الصينيون للمرة الأولى جائزة Gordon Bell في مجال البرمجيات التطبيقية, إذ تعتبر الجائزة مرجع ومقياس في هذا المجال، ويذكر بأن الباحثين الصينيين شكلوا نصف المرشحين النهائيين الستة إلى المسابقة في عام 2016.
سرعة فائقة في توسع الحصة السوقية
في عام 2011 كانت الشركات الأجنبية في مجال معدات الحاسوب الصلبة الـ Hardware، تستحوذ على حصة أساسية من السوق الصينية، إذ تحكمت كل من IBM وHewlett Packard، بنسبة 35% و13% على التوالي من بين أكبر 100 مشغل يعمل في الصين.
في عام 2016 باعت مجموعة IBM أعمال الكمبيوترات الفائقة التي تملكها إلى شركة تصنيع الكمبيوترات الصينية Lenovo، وانخفضت حصة شركة Hewlett إلى 2%، وخلال الفترة ذاتها زادت حصة لينوفو من 1-34% بين 2011 و2016. ونمت حصة شركة صينية أخرى Inspur في المجال ذاته من 7% إلى 19% بين 2011 و2016، وأخيراً أبقت شركة Sugon الصينية على حصة 34% من السوق الصينية. وتجاوزت الصين الهدف الموضوع بأن تتحكم شركاتها بنسبة 60% من سوق الكمبيوترات الفائقة الصينية.
ولم تقتصر التحولات على حصة الشركات الصينية في السوق المحلية، بل امتدت إلى حصتها من كل الكمبيوترات الفائقة المنتجة عالمياً. في منتصف 2017 امتلكت الشركات الصينية نسبة 34% ضمن الـ 500 الأكبر في العالم، بينما الشركات الأمريكية قد شكلت نسبة 48,4%. وهذا انخفاض قياسي خلال ثلاث سنوات فقط. عندما كانت الشركات الأمريكية تمتلك 83,2% من سوق الـ 500 الأكبر عالمياً، والشركات الصينية لا تمتلك إلا حصة لا تتعدى 4,6% من الشركات الكبرى عالمياً (كما يوضح الشكل). أما في 2018 فقد انقلبت الكفة كلياً للصين بنسبة %45.8, مقابل 25.8% للولايات المتحدة.
الصين أول مطلقي الجيل الجديد
تعمل كل من الصين والولايات المتحدة واليابان وحكومات الاتحاد الأوروبي على تطوير الجيل اللاحق من الكمبيوترات الفائقة exascale computers، القادرة على التعامل مع كوينتيليون (وحدة رقمية أمامها 30 صفر) من العمليات في الثانية، لمعالجة المشاكل المعقدة.
تسير الصين نحو تصدر إطلاق الجيل اللاحق من الكمبيوترات الفائقة, إذ يتوقع أن تصل إلى تشغيل كامل للجيل اللاحق في عام 2020، ذلك وفق ما قاله المشرف على التطبيقات في مركز تيانجين الوطني للكمبيوترات الفائقة، رابطاً هذا بإمكانية تحقيق اكتشافات بالـ 518 معالج فائق الأداء.
أما الولايات المتحدة فقد سرّعت من آجال التزاماتها لتطبيق الجيل اللاحق، من عام 2023 إلى 2021 وذلك لتواكب التطورات الصينية واليابانية، ولكن هذا يعتمد على مستوى تمويل الحكومات الفيدرالية للعملية حسب تقرير اللجنة الأميركية الصينية للشؤون الاقتصادية والأمنية
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 919