الطبيعة المتغيرة للعمل التكنولوجيا فرصة أم تحدٍّ!

الطبيعة المتغيرة للعمل التكنولوجيا فرصة أم تحدٍّ!

كانت عبارة: (الآلات قادمة لأخذ وظائفنا مبعث القلق لمئات السنين، على الأقل منذ تصنيع النسيج في أوائل القرن الثامن عشر... ويقضي الإنسان الآلي اليوم على العديد من الوظائف متدنية المهارات، ولكن بالمقابل من المهم أن نفهم أن العديد من الأطفال الذين يدرسون في المرحلة الابتدائية اليوم سيعملون حين يكبرون في وظائف غير موجودة حالياً).

هذا ما ورد في مقدمة تقرير التنمية العالمية لعام 2019، والذي كان موضوعه (الطبيعة المتغيرة للعمل) والصادر عن مجموعة البنك الدولي. التقرير الذي يبحث في ظرف تغيّر المستوى التكنولوجي والمهاري لطبيعة العمل اليوم، والتحديات التي يضعها أمام المجتمعات، نستعرض بعضاً من أهم ما ورد في محاوره.
التكنولوجيا تؤثر على الوظائف وهذه مسألة مؤكدة، ولكن الجدل يدور حول حدود هذا التأثير، ففي بعض القطاعات تحل الروبوتات محل العمال، وفي أخرى تحسن من إنتاجيتهم، بينما تخلق التكنولوجيا فرص عملٍ في قطاعات أخرى. ولكن الأساس: أن التكنولوجيا تُغيّر هيكل الطلب على العمل، والمهارات المطلوبة.

خسارة وظائف كثيرة وخلق أخرى نوعية

ازدادت منذ عام 2001، نسبة العمالة في الوظائف التي تحتاج إلى قدر كبير من المهارات الإدراكية والمعرفية السلوكية من 19% إلى 23% في بلدان الأسواق الناشئة، ومن 33% إلى 41% في البلدان المتقدمة.
تشير التقديرات إلى أن التغيرات التكنولوجية التي تحل محل العمل الروتيني خلقت أكثر من 23 مليون وظيفة في مختلف أنحاء أوروبا بين عامي 1999-2016، وما يقرب نصف الزيادة الإجمالية في حجم العمالة في الفترة ذاتها. ولكن هل كان هذا الرقم معادلاً أو قريباً من الوظائف التي تمت خسارتها بفعل التكنولوجيا؟ لا توجد إجابة مؤكدة. حتى أنّ التقديرات لحجم الوظائف التي ستستبدلها المكننة الأوسع في المستقبل، تتراوح بين أرقام واسعة، ففي الولايات المتحدة يتوقع أن 7% من الوظائف ستنتهي بفعل الأتمتة، بينما يرفع آخرون التوقعات إلى 47%، وكذلك في دول أخرى عبر العالم.
ولكن الأساس: أن طبيعة المهارات المطلوبة تختلف، حيث يزداد الطلب على المهارات المعرفية العامة، مثل: التفكير النقدي، والمهارات السلوكية الاجتماعية التي تعزز العمل الجماعي، مع المعرفة التقنية المطلوبة، والقدرة على حل المشكلات، ومواصفات شخصية، مثل: المثابرة والتعاون والتعاطف.
إن تحديات حجم العمالة التي يمكن فقدانها مع تطور التكنولوجيا، وتحديات نوع العمالة المطلوبة.. هي تحديات تتناقض بحدة مع واقع العمل اليوم.
فإذا ما كنا نتحدث عن احتمالات فقدان 47% من الوظائف بفعل الأتمتة، ينبغي التفكير بمستوى التوظيف المطلوب لتعويض هذه الخسارات، ومن سيُشغِّل هؤلاء أصحاب المهارات الأقل، ومن سيؤمن لهم الحماية؟ ومن سيؤمن المهارات اللازمة للعمال المهرة المطلوبين؟!
لا يطرح التقرير الأسئلة بهذا الشكل، ولكنه يتلمس هذه المفارقات، ففي عالم اليوم، حوالي ملياري شخص يعملون في القطاع غير الرسمي، حيث المستوى التكنولوجي المنخفض، أو دون أي مستوى تكنولوجي. وأربعة أشخاص من كل خمسة في البلدان النامية لم يعرفوا قط ما يعنيه العيش في ظل حماية اجتماعية، من وظيفة مستقرة، وشبكات أمان اجتماعي، حيث إن 80% من سكان العالم النامي لا يتلقون أية مساعدة اجتماعية، وهذا الواقع يتناقض بحدة مع متطلبات المهارات اللازمة لتكنولوجيا العصر الجديد.

الحماية الاجتماعية 6-8% من الناتج

يدق التقرير ما يشبه ناقوس خطر، إذ يربط وظائف العصر الجديد، بمستويات التعليم والصحة، في مؤشر يصيغه لرأس المال البشري، ليقيس إنتاجية الجيل القادم من العمال. ويُرَكَّب المؤشر من مؤشرات موت الأطفال دون سن الخامسة، وسنوات الدراسة المتوقعة للطفل ودرجات الاختبار، وسنوات التعليم المعدّلة حسب الجودة، ومؤشرات صحية، مثل: نسبة الأطفال المتقزمين، ومعدل بقاء البالغين.
حيث تسجل دول الشرق الآسيوي: سنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان أعلى المؤشرات، لتليها دول اسكندنافية وأستراليا، وبالمقابل فإن الدول الإفريقية تشكل آخر السلسلة، بينما تأتي مصر والجزائر ولبنان في منتصفها تقريباً.
يشير التقرير إلى أن مواجهة تحديات تغيّر طبيعة العمل، تتطلب تغيير العقد الاجتماعي، وتتطلب أن تقوم الحكومات بوظيفة حماية اجتماعية أوسع. حيث يتوقع أنه من المفترض أن تزداد مخصصات الحماية الاجتماعية لتشكل نسبة 6- 8% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، بمثابة تكاليف الاستثمارات في رأس المال البشري، والحماية الاجتماعية الأساسية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
904
آخر تعديل على الإثنين, 11 آذار/مارس 2019 12:16