النفط العالمي ينخفض... بمقدار الثلث
سجلت أسعار النفط تراجعاً سريعاً خلال أقل من شهرين، وخسر النفط ثلث سعره العالمي المسجل في بداية شهر تشرين الأول من العام الحالي. حيث سجل برميل برنت سعر 87 دولاراً للبرميل، منخفضاً الآن إلى حدود 59 دولاراً، بينما كان الخام الأمريكي يتداول بسعر 77 للبرميل، لينخفض الآن إلى حدود 51 دولاراً.
تنخفض أسعار النفط، وسط أجواء من الفوضى في هذه السوق العالمية. الفوضى التي تقودها الولايات المتحدة عبر العقوبات الاقتصادية، وتحديداً على إيران، حيث كان من المتوقع أن تؤدي العقوبات على إيران، وفنزويلا، والإضطرابات في ليبيا لانخفاض المعروض العالمي من النفط، وكان الحديث عن احتمال خسارة مليون برميل يومياً من إيران وحدها.
ولكن ما يجري اليوم على العكس من ذلك، فأسعار النفط تنخفض، وارتفاع العرض العالمي أعلى من ارتفاع الطلب المتوقع...
إثر الحديث عن العقوبات الأمريكية على إيران، اجتمعت مجموعة opec+، المكونة من مجموعة أوبك مضافاً إليها المنتجين الرئيسيين خارجها، وفي مقدمتهم روسيا، والتي لا تضم الولايات المتحدة. وقررت رفع الإنتاج في شهر 6-2018 حيث تشير التقديرات إلى أن الزيادة قد قاربت 600-800 ألف برميل يومياً. وبدأت أسعار النفط بالانخفاض، منذ ذلك الحين، وتحديداً مع المؤشرات حول انخفاض الطلب العالمي على النفط في الربع الرابع من العام الحالي، كما أشار وزير الطاقة الروسي. وأوقفت المجموعة خططها لزيادة الإنتاج أو تقليصه منذ شهر أيلول.
السعودية تتخبط، نتيجة جملة الضغوط السياسية في اللحظة الحالية. فقبل شهر كانت السعودية تريد أن تقلص إنتاج النفط، لتحافظ على سعر مرتفع، وتمنع انهيار سعر النفط... ولكنها قد تعيد النظر في هذا الأمر بناءً على جملة الضغوط السياسية الأمريكية، التي تريد من السعودية أن تخفّض السعر، وألّا تقتطع من الإنتاج.
أما روسيا فهي قد أشارت إلى أنها غير متحمسة لتخفيض الإنتاج، حيث تقول الجهات الروسية المعنية بأنها جاهزة لانخفاض السعر فعملياً الإنفاق في الموازنة الروسية، أصبح محدداً على سعر 40 دولاراً للبرميل، وأية زيادة عن هذا الحد هي ربح.
ما يعني أن العرض العالمي من المنتجين الثاني والثالث عالمياً لن يتقلص، حتى الآن... فماذا عن المنتج الأول؟
الولايات المتحدة، تحولت إلى المنتج العالمي الأكبر في قطاع النفط الخام، وقد سبقت روسيا منذ عام 2013 إلى هذا الموقع. حيث تتقاربان اليوم بإنتاج: 11.6 مليون برميل يومياً للولايات المتحدة، و11.4 مليون لروسيا. ستستمر الولايات المتحدة بتوسيع إنتاجها للنفط الخام، ومن المتوقع أن ترفعه في العام القادم إلى 12.1 مليون برميل، وحوالي: 500 ألف برميل يومياً.
ترامب في تصريحاته يعتبر أن انخفاض سعر النفط العالمي، هو بمثابة تخفيض للضرائب، وتحفيز للإنتاج في الولايات المتحدة... أي أنه دافع للنمو الاقتصادي داخل أمريكا.
ولكن انخفاضاً في أسعار النفط العالمي، سيؤثر أيضاً على عائدات تصدير النفط الخام الأمريكي: 1.1 مليون برميل يومياً. وتحديداً مع احتمال خسارتها لسوق النفط الصينية الأهم، والأكثر توسعاً، في ظل التوتر الاقتصادي والسياسي بين البلدين. حيث أوقفت الصين بشكل كامل مستورداتها من النفط الخام الأمريكي في شهري 8-9 من العام الحالي، واستؤنف بمستويات أقل من السابق في شهر 10.
السوق الآسيوية هي الهدف الأهم للتوسع الإنتاجي، وتحديداً كبار المستهلكين: الصين، والهند، وكوريا الجنوبية، واليابان. وهذه السوق تستطيع التزود بالطاقة من منافسي الولايات المتحدة: وتحديداً روسيا، وإيران، والسعودية. فالمسافات أقرب، والبنى التحتية تُهيّأ لرفع الطاقات التبادلية إستراتيجياً.
لم تستقر بعد مؤشرات سوق النفط العالمية، ولكن الانخفاض يبدو ميلاً مستمراً: وتحديداً في ظل التوقعات بانخفاض الطلب العالمي، حيث توقعت أوبك أن توسع الطلب في العام القادم سيقارب 1.3 مليون برميل.. بينما التوقعات لارتفاع الإنتاج من خارج أوبك فقط هي 2.4 مليون برميل! لتزداد الفجوة بين العرض والطلب العالميين على النفط.
تريد الولايات المتحدة من ارتفاع مستويات الإنتاج، أن تكسر احتكار أوبك للتحكم بسعر النفط العالمي. حيث لم يعد على ما يبدو هذا الاحتكار النفطي، قابلاً للتوافق بشكل دائم مع سياسات الولايات المتحدة.
وتعتمد في هذا بالدرجة الأولى على زيادة حصتها من الإنتاج العالمي، ووسائل أخرى، مثل: الضغط السياسي على السعودية المنتج الثالث عالمياً 10.6 مليون برميل يومياً، والعقوبات على إيران ومحاولة منع تصديرها لنفطها. كما يُطرح في الولايات المتحدة مؤخراً إصدار تشريع قانوني، يتيح للمدعي العام الأمريكي، بمقاضاة منظمة أوبك عند قيامها بضبط إنتاج النفط، والتحكم بأسعار الخام...