عن أيّ فساد كبير يتكلمون؟
وصل صِيتُ الفساد السوري للعالمية، حيث احتلت سورية المرتبة 178من أصل 180 حسب مؤشر مدركات الفساد لعام2017 الصادر عن منظمة الشفافية العالمية.
وبالرغم من أن منظمات وتقارير من هذا النوع لا تخلو من تسييس، وعدم موضوعية... ولكن هذا لا يخفي الحقائق التي يتيقن بها كل السوريين، رغم أنك قد لا تجد إثباتاً واحداً ملموساً، أو قضية كبرى واحدة مفتوحة بحجم أبواب الفساد المفتوحة في سورية، إلّا أن السوريين يعلمون تماماً ماذا يعني الفساد السوري الكبير!
في مطلع الألفية بدأ الاقتصاديون السوريون يقتربون قليلاً من الوصول إلى نسبٍ وآلياتٍ لتقدير حجم الفساد والهدر في سورية، اقتصادياً. حيث في عام 2000 أتت تقديرات تقول: إن النسبة 20%، ثم ارتفعت هذه التقديرات لتقول أن 30% من الناتج يذهب فساداً. أي: حوالي 6,6 مليار دولار من ناتج عام 2003 حين أجري التقدير. (تقرير سورية 2025).
كما أن الأبحاث الاقتصادية، تضمنت تفاصيلاً أخرى، تشير إلى حجم الهدر في جهاز الدولة، من تراكم تجارب وعينات، حيث قُدّرت الزيادة في المناقصات السورية بنسبة 40% زيادة عن المعايير العالمية (قدري جميل قضايا اقتصادية).
ولكن المؤشرات الاقتصادية الكلية التي تشير إلى الفساد، هي المؤشرات المتعلقة بتعفن المنظومة الاقتصادية، وقلة فعاليتها... فعندما وصلت حصة الأرباح إلى 75% من الناتج في عام 2010، ولم تتجاوز نسبة الاستثمار 20%، 10% منها من قطاع الدولة! فإن هذا يعني أن أكثر من نصف الناتج كان مهدوراً... وأصبح يدخل في قطاعات تبييض الأموال وقطاعات الادّخار التي انتعشت، وبقي جزء منه يُهرّب للخارج. كما كان في مطلع الألفية، عندما تبين أن الأموال السورية المتراكمة في الخارج قاربت 100 مليار دولار، في الوقت الذي كان من الممنوع إخراج الأموال من سورية، كما أصبح لاحقاً!
قد لا يعرف عموم السوريين هذه الأرقام، ولكنهم يعلمون تماماً، أن النّهب السوري عالي المستوى، ومتعدد الأوجه...
يعلمون أن القطاعات الكبرى في الطاقة والاتصالات والتجارة الخارجية والإنفاق الحكومي، هي موضع محاصصة مبني على النفوذ. ويعلمون أن المنظومة السورية تعمل بآلية الرشوة، من المفاصل الكبرى إلى المفاصل الصغرى، تلك التي تجبي للكبار وتأخذ من «الجمل أذنه»... ورأوا بأعينهم التحولات الكبرى في وجوه المال السورية، ووكلاء كبار أصحاب رؤوس الأموال، وابتلاعهم للسوق والحصص بالقانون المفصل على مقاسهم أو بغير القانون. وكانوا يعرفون أن الوصول إلى قطاعات النهب العلنية كالتعفيش وغيرها هي السياق الطبيعي، لتطور منظومة الفساد السورية.
ربما سنصل لتقدير نسبة الفساد السوري، عندما تتبين حقيقة كتلة الأموال الموزعة على كبار المتنفذين وأصحاب الأموال في سورية، التي هي اليوم موضع تكهن لا غير...
إن علم السوريون بكل هذا يأتي تحديداً، من مرارة الفقر والتهميش التي يعيشونها خلال الأزمة، فمنظومة الفساد وسّعت حصتها مما تبقى من الناتج السوري القليل، ومقابل هذا الفقر كله، لا يمكن أن يكون إلا فساداً كبيراً.
ولهذا فإن قصة «الخمسين ليرة» التي يتقاضاها الموظف الحلبي «المكموش بالجرم المشهود»... استفزت السوريين لأقصى حد. فإذا ما كانت الظروف تلزم السوريين حالياً بالسكوت عن الحرمان، ومراقبة «الهبش الكبير» الذي يجري في ظروف الفوضى الحالية، «من تم ساكت»، فإن مزيداً من الاستفزاز يتولد من الاستخفاف بعقول السوريين!