أرباب الرأسمالية يقرّون: العولمة لا مساواة

أرباب الرأسمالية يقرّون: العولمة لا مساواة

تقول مؤسسات مالية ومراكز أبحاث غربية اليوم، بما فيها البنك وصندوق النقد الدوليين: أن العولمة متمثلة بتحرير التجارة العالمية ورفع القيود المالية، أدت إلى تفاوت في الدخل وعدم مساواة ضمن مجتمعات الدول «المتقدمة» كما «النامية» أيضاً.

لطالما روّج للعولمة الاقتصادية على أنها قاطرة النمو والرفاه للمجتمعات، وأنها الآلية التي تتيح نقل النمو عبر العالم، وتؤدي إلى لحاق الضعيف بالقوي، فهذا ما دأبنا جميعاً على سماعه سواء في الأوساط الأكاديمية، أو من مصادر المعلومات المختلفة، فالمقصود كان هو الترويج لمفاهيم تخدّم بنهاية المطاف حركة رؤوس الأموال وسعيها نحو تحقيق المزيد من الأرباح حول العالم، وتنقل القيم المضافة المنتجة من الأطراف إلى المركز، لتعود الأموال ونسبة أرباحها الكبرى إلى المنطلق الأول لتصدير الأموال عبر العالم في الغرب. أما اليوم، ومع تراجع قدرة هؤلاء على التوسع واشتداد أزمتهم، فإن المفاهيم المروّج لها من قبل المؤسسات ومراكز الأبحاث الغربية تتغير بتغير أحوالهم، كما أن الأزمة بأسبابها وتبعاتها لم يعد من الممكن أن تبقى طي الكتمان والمراوغة.
نشر المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهو أكبر منظمة للأبحاث الاقتصادية في الولايات المتحدة، دراسة هذا العام كانت خلاصتها الأساسية هي: أنّ اتجاهات العولمة الأخيرة أدت إلى زيادة التفاوت وعدم المساواة في الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال زيادة دخل الشرائح الأعلى بشكل غير متناسب. وأن زيادة المنافسة على الواردات أثرت سلباً على العمالة في القطاعات الصناعية وأدت إلى تراجع إيراداتها.
وفي دراسة أخرى للبنك الدولي تقول: بأن نمو التجارة الحرة العالمية لم تأتِ بالنجاح للجميع، وأن آثار العولمة على الدول المتقدمة لم تكن عادلة غالباً، بل أدت إلى زيادة في تفاوت الأجور، وأن تبني شركات الدول المتقدمة بازدياد للتكنولوجيا كبديل للعمالة، وتصدير الأعمال للخارج أدى إلى تراجع الصناعة. وأشار التقرير إلى أن تزايد التدفقات المالية بين الدول أدى إلى ارتفاع معدلات التفاوت في الدخل في الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات النامية على حد سواء، وأحد أسباب ذلك هو تركز تلك الأصول المالية الأجنبية في القطاعات الأعلى نسبياً من حيث المهارة والتكنولوجيا، مما يزيد الطلب على العمال ذوي المهارات العالية وأجورهم، على حساب قوى العمل الأخرى، التي تفقد فرصتها في السوق مع تدفق الاستثمارات الأجنبية، وأن العولمة ورفع القيود المالية أدت إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية وتركزّها في القطاع المالي ذي الربح السريع على حساب القطاعات الأخرى الإنتاجية.
تضاف إلى تلك الدراسات دراسات أخرى غربية كثيرة منشورة مؤخراً تتحدث عن العلاقة بين العولمة وتفاوت الدخل، إلّا أن ما يهمنا هنا هو ليس اعترافات البنك الدولي و كبرى مراكز الأبحاث الأمريكية حول حقائق موضوعية بحد ذاتها، فهم لم يأتوا بجديد، بل ما يهمنا هو أنّ مثل تلك الاعترافات اليوم، ومن قبل مؤسسات طالما كان دورها الوظيفي هو خدمة مصالح رأس المال الغربي والتنظير له، إنما هي مؤشر إضافي على أن المنظومة الرأسمالية ككل لم تعد قادرة على الاستمرار كما السابق لذلك فهي تتموه وتحاول التغيير والتراجع عن سياساتها السابقة، إلّا أن منطق الأمور يقول: بأن ملامح عالم جديد بعلاقات وسياسات ومؤسسات جديدة أكثر تكافؤاً ومساواة هو قيد التشكّل.
ولكن هل حديث مراكز بحث الغرب عن التفاوت في توزيع الدخل يعني أنهم يريدون إعادة توزيع الدخل لصالح الفئات الأضعف؟! وأن مهاجمي العولمة في مراكز رأس المال الغربي يريدون المساواة حلاً؟! بالطبع لا لأن هذا يتناقض مع هدف السعي نحو الربح الأقصى، وهو القانون الأساسي الفاعل في نمط الإنتاج الرأسمالي، وهم بطرحهم هذا يحاولون الدفاع عن الربح ذاته، وعلى مواقع الحد الأدنى الموجودة، أي: على سلطتهم المطلقة في دول المركز واقتصادياتها المتقدمة، بعد أن بدأت القوى الاقتصادية الصاعدة تقلل الجدوى تدريجياً من هيمنة الغرب العالمية، وترفع تكاليفها، وبالمقابل ازدادت المخاطر في المركز مع انتقال الأزمة من طورها الاقتصادي إلى مستويات سياسية واجتماعية، تهدد جدياً البنى السياسية القديمة القائمة، وتفتح باب الاحتمالات واسعاً أمام الشعوب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
826