أموال الغرب العابرة للحدود «تتبخر»
تشهد تدفقات رؤوس الأموال العابرة للحدود انخفاضاً هو الأكبر منذ أزمة 2008 الاقتصادية، المقال الذي نشرته مجلة Financial Time بعنوان Globalisation in retreat: capital flows decline since crisis، يتضمن بيانات ومعلومات تشير إلى التغير في التدفقات المالية العالمية كماً ونوعاً.
ديمة كتيلة
تستمر آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي تجلّت ملامحها قبل عقد مضى بالتوسع والتعمق، لتصبح أمراً واقعاً تقر به المؤسسات الدولية، وأحد أبرز تجليات الأزمة اليوم، هو تراجع حجم الأموال العابرة للحدود حول العالم، الأمر الذي يعكس عمق الأزمة في المراكز الرأسمالية الكبرى، وتراجع قدرة رؤوس أموالها على الاستمرار بالمستوى ذاته من العائد العالي المبني على الهيمنة الاقتصادية ومن ضمنها التمويلية، بالإضافة إلى زيادة المنافسة الاقتصادية والتمويلية العالمية، حيث حجم التمويل الاستثماري للقوى الصاعدة يزداد، ويتجه أكثر فأكثر نحو القطاعات المنتجة، عوضاً عن القروض الغربية المعروفة ذات الشروط.
انخفاض بنسبة 65%
تشير البيانات المنشورة إلى أن حجم الأموال العابرة للحدود في عام 2007 هي ثلاثة أضعاف حجمها في عام 2016، حيث تراجع حجمها الإجمالي من 12.4 تريليون دولار عام 2007 إلى 4.3 تريليون دولار عام 2016، أي أن إجمالي التدفقات المالية العالمية تراجعت بنسبة 65% خلال تلك الفترة. التراجع في حجم التدفقات المالية ككل جاء نتيجة انخفاض حجم القروض المصرفية عالمياً بالدرجة الأولى، والمصارف الأوروبية تحديداً هي المسؤولة عن معظم ذلك الانخفاض، حيث انخفض حجم مستحقاتها المالية في الخارج من حوالي 24 تريليون دولار عام 2007 إلى حوالي 14 تريليون دولار عام 2016، أي أن الانخفاض حدث بنسبة 40% تقريباً خلال عشرة أعوام، وبالتالي فإن المصارف التي أظهرت فيما مضى ميلاً نحو استثمار أموالها في الخارج تنحو اليوم نحو الانكفاء ضمن الحدود الجغرافية لبلدانها.
إعادة النظر بتحرير الأموال
في عام 2007 وهو العام الذي سبق تفجر الأزمة الاقتصادية العالمية، بلغ حجم التدفقات المالية العالمية ذروته نتيجة للرفع الكبير في القيود المالية، معظم تلك الأموال انصبت في الولايات المتحدة مشكلة فقاعة انفجرت على شكل أزمة الرهن العقاري، لتنعكس آثارها سلباً على الأسواق المالية العالمية ككل، واليوم تعتبر معظم الأوساط الاقتصادية أن تحرير القيود المالية كان أحد الأسباب الرئيسة للأزمة المالية العالمية. وهو ما عبر عنه كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، قائلاً: «نحن لا نريد استخدام فترة منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كمعيار لدينا لما هو طبيعي وصحي».
زيادة الاستثمار المنتج
من ناحية أخرى فإن التدفقات المالية العالمية تشهد تحولاً نوعياً أيضاً، من حيث الشكل والتكلفة، وهو تحول تقوده الصين بشكل أساسي، فالتعاون المالي العالمي اليوم، يتجه لأن يكون على شكل استثمارات مباشرة في المرافق والقطاعات الإنتاجية، أكثر منه على شكل قروض تستثمر في قطاعات التجارة والمال كما السابق، كما أن انخفاض مستوى الهيمنة المالية مع وجود قوى جديدة صاعدة، وبدائل استثمارية جديدة، أتاح إمكانية الحصول على تمويل استثماري بتكلفة أقل وبشروط أٌقل إجحافاً. فالمراكز المالية التقليدية تقدم اليوم أقل بكثير من المال مما كانت عليه قبل الأزمة، كما أن حصتها من الاستثمار الأجنبي المباشر آخذة بالانخفاض مع تزايد دور الصين ودور دول البريكس بشكل أوسع، حيث ارتفعت نسبة مساهمة البريكس في التدفقات المالية العالمية بنسبة 21% في عام 2016، لتزداد حصتها من إجمالي التدفقات المالية العالمية من 5% عام 2010 إلى 8% عام 2016، وبقيمة إجمالية تصل إلى 2.1 تريليون دولار.
الاستثمار الصيني الصاعد
لعل أوضح مثال على التحول في التمويل الاستثماري الذي فرضته الصين كماً ونوعاً، هو استثمارات البنك الصيني للتنمية، الذي يعتبر منذ عام 2008 أحد أكبر بنوك التنمية العالمية، حيث بلغت قيمة أصوله في عام 2014 حوالي 1663 مليار دولار، خصص منها 1490 مليار دولار للاستثمار في البنى التحتية والصناعة خلال الفترة بين 2006-2014، أي ما نسبته 90% من قيمة أصوله في عام 2014، ويشمل هذا المبلغ الاستثمار الداخلي والخارجي، ولكن من الملفت أنه ضاعف استثماره الخارجي 7 مرات خلال 8 سنوات. وكانت أهدافه واضحة بتمويل البنى التحتية في قطاعات النقل والاتصالات والطاقة وغيرها، على خلاف الاتجاه الغربي لتمويل القطاعات الخدمية. وأوضح مثال على ذلك هو مساهمة الغرب والصين في تمويل القطاعات في أمريكا اللاتينية خلال أعوام 2005-2011حيث مول الغرب البنى التحتية بنسبة 12% بينما بلغت مساهمة الصين 88%، أما في قطاع التجارة والمال فقد ساهم الغرب بنسبة 93% مقابل 7% مساهمة الصين في هذا القطاع.
يعتبر تصدير رؤوس الأموال واحداً من أهم أدوات هيمنة رأس مال المركز الغربي على الاقتصاد الرأسمالي العالمي، ولا تتراجع عملية التدفق هذه إلا عندما تكون مرابح هذه الأموال تتراجع، وبالتالي إمكانات الربح من الهيمنة تتقلص، فالعالم اليوم يمتلك مناعة أعلى تجاه هذه الأموال التي كانت تعبر الحدود وتمتص الفائض وتنقله للغرب، وبالمقابل تتشكل معالم علاقات استثمار دولي جديدة تسمح لجميع الأطراف المصدرة للأموال والمستقبلة لها بتوزيع أكثر إنصافاً للعوائد كما هو الحال عندما تستثمر الصين في قطاعات الإنتاج والبنى التحتية العالمية بمعدلات فائدة أقل وبهامش تعاوني أكبر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 825