عبد الحليم قجو عبد الحليم قجو

ربع قرن على الإحصاء الاستثنائي الجائر.. البطاقة (الحمراء).. والبطاقة (الذكية)

تصادف هذه الأيام الذكرى الخامسة والأربعون للإحصاء الاستثنائي الجائر الذي جرى في محافظة الحسكة عام 1962 في عهد حكومة الانفصال الرجعي، الذي بموجبه جرّد مئات الألوف من المواطنين الأكراد من جنسيتهم السورية بدعم وتشجيع من بقايا الإقطاع وكبار الملاكين في المحافظة، الأمر الذي طبع هذا الإحصاء السيء الصيت بطابع طبقي شوفيني فمنح المحرومون (بطاقات حمراء) باسم (أجانب سورية)، وكان نتيجة ذلك حرمان هؤلاء من حق التوظيف وتسجيل العقارات والآليات بأسمائهم في الدوائر الرسمية، أو الحصول على القروض ومستلزمات الإنتاج الزراعي من المصارف الحكومية، كما حرموا من البطاقة التموينية للحصول على المواد المدعومة، ومنعوا من تأدية واجب خدمة العلم.

كما وضعت تعقيدات في تسجيل واقعات الزواج والولادات ودخول المدارس، فتلا كل ذلك هجرة الكثيرين منهم بعد أن فقدوا المواطنة وأصبحوا غرباء في وطنهم، إلى الدول الأوروبية بموجب البطاقة الحمراء التي بحوزتهم،والتي سهلت لهم الحصول على الإقامة أو اللجوء أو الجنسية، وكثيراً ما كان المهاجرون غير الشرعيين والمقيمون في تلك الدول يطلبون تلك البطاقة حتى ولو بطرق ملتوية لتسهيل عملية إقامتهم أو تجنيسهم، مما اكسبها قيمة مالية وقانونية تضاهي أضعاف أية وثيقة أخرى.. واليوم وبعد أن عيل صبر هؤلاء وطال انتظارهم، لا يلوح في الأفق أية بوادر للحل سوى الوعود المتكررة والتصريحات المتعاقبة من المسؤولين في الدولة والسلطة والجبهة الوطنية التقدمية بأن القضية في طريقها إلى الحل، ولكن كما يقول المثل: (أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً).
ومن جهة أخرى تكثر الإشاعات والدعايات المضللة، فتارة يقال إنه سيتم ترحيلهم أو توطينهم في محافظات أخرى، وذلك لتغيير التركيبة الديموغرافية في المحافظة، أو وضعهم في مخيمات كمخيمات اللاجئين مثلاً، فهل هذه القضية تحتاج لأكثر من أربعة عقود ونيف لكي تُحل؟؟ أليس حلها وإعادة الجنسية لمن حرموا منها وحل مشكلة المكتومين منهم سيقطع الطريق أمام الذي يريدون أن يصطادوا في الماء العكر؟؟ ألا يجب سحب البساط من تحت أرجل هؤلاء الذي يحاولون خلق بؤر توتر في المجتمع ووضع العصي في العجلات وإعطاء المشكلة دلالات وأبعاداًُ اقتصادية واجتماعية وسياسية تضر بالوحدة الوطنية وبجزء أساسي من النسيج السوري؟؟؟
إن عدم حل هذه القضية أو التلكؤ بها أو تسويفها، ستجعل منها كما وصفها البعض (قنبلة موقوتة)، وبالتالي ستسير الأمور في اتجاه مغاير للخطاب الرئاسي الذي أشار إلى قضية الإحصاء وأنها في طريق الحل، فمن المعرقل؟ ومن المستفيد؟ ولمصلحة من تبقى المشكلة بدون حل؟ ألم يحن الوقت بعد، أم نحتاج إلى أربعة عقود ونيف أخرى، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟؟

 هذا يقودنا إلى سرد الحكاية التالية:

«كان في المدينة حداد وحيد يعيل أسرة من أطفال حديثي الولادة، ذات يوم جاءته امرأة معروفة تطلب منه سريراً لابنتها، فماطل هذا الحداد فترة طويلة تنوف عن 20 سنة رغم الوعود المتكررة، حتى فقدت المرأة صبرها وأملها، وكبرت الابنة وتزوجت وأنجبت طفلاً فجاءت هذه الابنة (الأم) طالبة سريراً لطفلها فأجابها الحداد سأصنع لك السرير بشرط ألا تستعجلي كما استعجلت والدتك من قبل»!!.
ومما سيزيد الطين بلة، وسيزيد من معاناة هؤلاء، وبعد أن فشلت كل السيناريوهات التي طرحتها الحكومة وخاصة فريقها الاقتصادي والقاضية برفع الدعم عن المشتقات النفطية (المازوت) بحجة إعادة الدعم لمستحقيه، أن الحكومة، ستلجأ إلى (البطاقة الذكية) لإبقاء الدعم حصراً على المازوت وحصراً بالمواطنين السوريين دون الشركات الأجنبية العاملة في سورية، وكذلك السواح والأجانب وكافة الجنسيات لكي لا يستفيد أي منهم من هذا الدعم، ورغم أن هذه البطاقة لها جوانب إيجابية وتهدف إلى الحد من التهريب وتحقق العدالة الاجتماعية في الدعم والحد من الهدر في المواد المدعومة من وجهة نظر قائليها، إلا أن هناك سؤالاً مشروعاً يطرح نفسه: ألا تزيد هذه (البطاقة الذكية) من معاناة المجردين من الجنسية أصحاب (البطاقة الحمراء) من الأجانب السوريين حسب وصف الإحصاء الآنف الذكر لهم؟؟
 وكيف سيحصلون على المحروقات؟ هل وفق الجزء الأول من التسمية (أجانب)، أم وفق الجزء الثاني (سوريين) أم أن التسمية لا تتجزأ، وبالتالي فلا هم (أجانب) حيث يعيشون في بلادهم أباً عن جد، ولا هم (سوريون)، إذ لا يملكون البطاقة التموينية، ولا الهوية الشخصية التي تثبت مواطنتهم؟ وعندئذ سيقال لهؤلاء: لا الجنسية ستعاد إليكم، ولا البطاقة الذكية تشملكم، وليس لكم إلا الصبر والسلوان!!
إن كل الشرفاء والمخلصين من أبناء هذا الوطن الذي يتسع للجميع، ينتظرون في هذه الذكرى الحل النهائي لقضية المجردين من الجنسية دون إبطاء وبشكل عادل..