محمد دحنون محمد دحنون

استثمار أجنبي يسيطر على الشركات الوطنيّة هل ستبقى تلك الشركات... وطنيّة؟

جاء الخبر على الشكل التالي: أوردت بعض وكالات الأنباء، أن سوريّة تدرس إمكانيّة السماح لمستثمرين أجانب امتلاك غالبية في أسهم الشركات الوطنيّة، بما فيها المصارف، وفقاً لما أعلنه محافظ المصرف المركزي السوري، أديب ميّالة، على هامش اجتماع وزراء مال الدول العربيّة المخصّص للتحضير، للقمة الاقتصاديّة في الكويت.

خلال السنوات الماضيّة سعت الشركات الخليجيّة، تحديداً المصارف وشركات الاتصالات، للتوّسع في سوريّة، ولكن لم يسمح لها بامتلاك نسبة تتجاوز الـ49% في الفروع التي تنشئها، إلا أنّ هذا الواقع سيتغيّر لأنّ «هناك خطّة» على حد تعبيّر ميّالة، رغم «أنّنا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد». انتهى الخبر الذي لم يعقبه أي تعليق، شرح أو تفسير، وبالطبع لم يعقبه حتى نفيّ من الجهات المختصّة.

خبر «صحفيّ» كهذا، يمكن أن يوصف بأنّه خبر أخرس ويعطي إشارات كثيرة في الوقت نفسه، ليس فقط لانعدام الشرح أو التفسير الذي تحدّثنا عنه، فتلك أمور يمكن القول، مع قليل من الخيبة، إنّنا اعتدنا عليها: يصدر القرار الاقتصادي، ينّفذ القرار، تسري منعكسات تنفيذه على الشرائح الاجتماعيّة كافة، «سلباً على الكثيرين وفائدة للبعض!»، يعترض البعض، يحلّل البعض الآخر، يفنّد آخرون بنظريات لا تخلو من وجاهة، تلك القرارات من خلال التركيز على الترابط بين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ثمّ نعيش ربما للمرّة الألف، قصّة الفأس والرأس.

هذه المسألة بالذات، تدفعنا «بل تجبرنا؟» للحديث عمّا يمكن أن نسميه «الديمقراطيّة الاقتصاديّة» كيف؟ هناك عملية لبرلة في سوريّة، والحديث عن "اقتصاد سوق اجتماعي" بات أمراً من الماضي، وقبل ذلك كان ضرباً من الخيال، السؤال: لماذا لا تقترن عمليّة اللبرلة تلك بلبرلة القرار الاقتصادي؟! فالكل يتأثّّر بهذا القرار أو ذاك، لكن ليس الكل مشاركاً في صناعته!!

مرّة أخرى، الخبر أخرس لكنّه يعطي إشارات كثيرة، أوّلاً: سيكون هناك تغيّر أكثر من جوهري في بنيّة الاقتصاد السوري، حين يملك «أجانب» نسبةً تزيد عن 49% من أسهم الشركات الوطنيّة، بما فيها المصارف.

وعلى مستوى التفاصيل، يمكن القول إن «استضافة» أجانب «للسيطرة» على الشركات الوطنيّة، لن يكون استثماراً بالمعنى الاقتصادي للكلمة، فالمستثمر الأجنبي الذي يملك نسبة كبيرة «تزيد عن النصف من أسهم شركة وطنيّة ما» لن يساهم في خلق رأس مال إنتاجي، أي بالضبط لا يتمّ استثمار اقتصادي، عن ماذا يبحث المستثمر الأجنبي إذاً؟ الجواب بسيط: عن الأرباح؛ التي يحق لنا أن نتساءل عن وجهتها، أين ستذهب؟ للخارج طبعاً إن كان المشرّع السوري «مضيافاً» من سلالة حاتم الطائي!.

وفي هذا السياق، يمكن أن نشير إلى نقطتين هامّتين، الأولى هي أن أحد أبرز أسباب انهيار ما سميّ يوماً «النمور الآسيويّة»، ربما السبب الرئيسي، هو أولئك المستثمرون الذين يجنون أرباحهم في البلد المضيف، ثم يرحلون معها إلى بلدانهم الأصليّة، أو إلى بلدان أخرى. أمّا النقطة الثانيّة، التي تبرز أهميتها في ضوء الأولى، فهي أنّ الاحتياط النقدي السوري قد انخفض، خلال ثلاث سنوات، من 20 مليار إلى 12 مليار دولار.

فماذا عن مصيره في حال سيطر المستثمر الأجنبي، على القطاع المعني بشكل رئيسي في توفير هذا الاحتياطي؟ خاصّة إذا علمنا أن الاستثمار الأجنبي المباشر، والذي حدّد وفق «وصفات» صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنميّة، بأنّه ملكيّة 10% من أسهم أو أرباح الشركة أو المشروع، وأنّه، أي المستثمر الأجنبي وبناء على هذه النسبة، يملك القدرة  للسيطرة والتأثير على قرارات الشركة أو المشروع.

وسيكون الحكم على المصارف بوصفها شركات وطنيّة، مطابقاً للحكم على غيرها، لجهة أن السيطرة عليها من مستثمرين أجانب لا تعتبر استثماراً اقتصاديّاً حقيقيّاً، بل هو أقرب لأن يكون استغلالاً لمقومات الاقتصاد الوطني المضيف، والتي تتمثّل في توافر عناصر العمل متدنيّة الأجر، والمواد الأوّليّة الرخيصة، كذلك فإن السيطرة على القرار الاقتصادي «مصرفيّاً كان أم غير مصرفي» سيقود إلى التأثير على القرار السياسي، بسبب القوّة التفاوضيّة التي تتمتّع بها الشركات الأجنبيّة في الدول المضيفة، والتي تلقى دعماً كبيراً من المنظمات العالميّة، بالإضافة إلى ما يمكن أن تمنحه الدول الأم لتلك الشركات من مساعدات ومنح للدول المضيفة.

لكن قبل هذا وذاك، ينبغي التساؤل عن العوامل الحاكمة لتلك الاستثمارات، أي بعبارة أخرى: ما هي الإجراءات والتعديلات «الهيكلية» في اقتصاديات الدول المضيفة، ومن بينها تعديل التشريعات المقيدة لتدفق الاستثمارات؟ ومن هي الجهات المحكّمة في حال نشوب خلافات بين الشريك المحلي الوطني «الدولة في هذا السياق» والمستثمر، أو الشركة الأجنبيّة؟

ثمّ ألا يجدر بمن يجري وراء جذب الاستثمارات وبيع الشركات الوطنيّة لمستثمرين أجانب، أن يتساءل عن الدور الإيجابي الذي يفترض أن تلك الشركات ستؤديه، ضمن ظروف وإمكانيات البلد المضيف؟ فهل تتوافر في سوريّة بنية أساسيّة قوية تساعد على تطبيق التكنولوجيا الحديثة؟ أي هل هناك إنفاق وطنيّ على البحوث والتطوير؟ وما هي نوعية الموارد المستخدمة في العملية الإنتاجية؟ هل تتوافر عمالة ماهرة ناجمة أساساً عن زيادة الإنفاق على رأس المال البشرى؟ الملاحظة البسيطة تقول إن معظم الدول النامية تفتقر إلى تلك المقومات، وإلاّ لم تكن تسمى دولاً ناميّة!! الأمر الذي يجعل تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر محدودًا. ليس ذلك فحسب، بل إن التكنولوجيا والخصائص الاقتصاديّة التي قد ينقلها المستثمر الأجنبي، ستكون محدودة التأثير، ولا تتناسب مع ظروف الدولة المضيفة، ما سيؤدى إلى عدم  استفادة الدولة المضيفة الاستفادة المرجوة منها.

قبل بضع سنوات فقط، ثارت ثائرة الأمريكيين، المواطنين قبل «المحافظين»، على صفقة تسيطر بموجبها شركة إماراتيّة على إدارة بعض المطارات والمرافئ الأمريكيّة؛ حدثت هذه «الثوّرة» في الولايات المتحدّة، وليس في كوريا الشماليّة أو كوبا، فهل ستملك القطاعات الاقتصادية السوريّة ذات البعد السيادي سيادتها، وهي خاضعة لسيطرة شركات أجنبيّة؟!!. هذا ما ستكشف عنه «الخطة»، إن وصلت إلى «تلك المرحلة»!.

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 01:46