أداة «شفط» الأرباح العالمية الأهم.. تفقد فاعليتها
مراد جادالله مراد جادالله

أداة «شفط» الأرباح العالمية الأهم.. تفقد فاعليتها

يحذر Barry Eichengreen البروفيسور في جامعة كاليفورنيا أن (نقصاً خطيراً في السيولة الدولية يعرض الاقتصاد العالمي للخطر(، مشيراً إلى أن هنالك تناقضاً صارخاً بين ما يجري من (نقص السيولة)، وبين عمليات الضخ الهائل للسيولة في الاقتصاد العالمي..

السيولة الدولية، هي الأموال الموثوقة وعالية الجودة التي تمول التجارة الدولية والديون الخارجية عالمياً، والتي يميزها الاقتصاديون عن السيولة عموماً، بدرجة موثوقيتها، واستخدامها العالميين، وفي تفسير هذا التراجع يشير الاقتصاديون إلى تراجع تقييم هذه الأصول في الكثير من الدول المتعثرة وذات المديونية العالية..

حيث إن أهم أنواع هذه السيولة هي الالتزامات والسندات التي يتم تناقلها عبر الاقتصاد العالمي، والمضمونة بالبنوك المركزية للدول المتقدمة، والمنظمات الدولية، وبنوك التنمية، والسندات المضمونة بالذهب لدى الجهات الرسمية والخاصة.

«تدهور التصنيف»

تشير تقديرات الباحث الأميركي، إلى (هبوط نسبة السيولة الدولية من 60% تقريباً من الناتج الإجمالي المحلي عام 2009، لتصل بالكاد إلى 30% منه اليوم).

إن تدهور تصنيف العديد من مصادر السيولة الدولية، جعل تسيير المعاملات الدولية مسألة أعقد، وأصبح يؤثر بدوره على التجارة الدولية، وبالتالي على النمو الاقتصادي العالمي.

يترافق هذا الاتجاه، مع استمرار الإجراءات النقدية الرئيسية على مستوى العالم، والمتمثلة بعمليات التيسير الكمي أي عمليات شراء الحكومات لسندات الدين من البنوك التجارية وكبار البنوك العالمية، ومحركها الأساسي، الولايات المتحدة، اليابان، والاتحاد الأوروبي. وهذه الإجراءات تزيد من أزمة السيولة الدولية، وبشكل مبسط نستطيع أن نفسر الأمر، بأن هذا الإفراط كماً، يقابله تراجع نوعاً من حيث قيمة وسائل الاستثمار والدفع الدولية المذكورة، وتحديداً مع الاتجاه المتباطئ للنمو العالمي، والتجارة الدولية.

«معدلات الفائدة مجال للمضاربة الدولية»

يضاف إلى ذلك معدلات الفائدة السالبة التي تطبقها البنوك المركزية لهذه الدول، والتي تهدف من وجهة نظرهم إلى تحفيز المستثمرين لاستخدام أموالهم في الأسواق والأعمال والتجارة الدولية، وعدم إيداعها في البنوك المركزية.. ولكن الهدف لا يتحقق، لأن المستثمرين عالمياً، يتوجهون للاقتراض بفوائد سالبة من البنوك المركزية في الدول المركزية، ليقوموا بالإقراض والإيداع في الدول الأخرى التي تطبق معدل فائدة إيجابي، أي لتحقق أرباحاً في دول المحيط وتحديداً في آسيا وأميركا اللاتينية وليس في أسواق دول المركز، كما يشير الاقتصادي العالمي جوزيف ستيغليتز. أي أن سياسات التحفيز والأموال التي يتم ضخها، لا تتحول إلى نشاط اقتصادي يولد النمو التشغيل، بل تتحول بجزئها الأكبر إلى أموال فائضة مضاربية تنتقل بين البنوك المركزية العالمية، وهذا أيضاً يقلل قيمة السيولة الدولية..

(البورصات تتلقى الضربات)

يضاف إلى هذا أن البورصات العالمية تتراجع هي الأخرى، حيث تعرضت الأسواق العالمية في هذا العام، إلى خسارات، كانت الأقوى منذ عام 2008، عاكسة التراجع في أسعار السلع الأولية العالمية، وأسعار العملات، وأسعار الأسهم للشركات الصناعية والتكنولوجية، وكل هذا يؤدي عملياً إلى تراجع في قدرات القوى الاقتصادية العالمية على الطلب العالمي، أي تؤثر كذلك على التجارة الدولية، وعلى النمو المرتبط بهذه التجارة إلى حد بعيد.

«النفط يسرع الدوامة»

قد تكون عملية تخفيض أسعار النفط خلال عام مضى هي واحدة من أهم العوامل المسرّعة لتراجع الطلب العالمي في العام الأخير، حيث انتقلت دول الفوائض المالية الكبرى النفطية، من حالة استهلاك واسع إلى حالة تقشف قاسٍ، بعد خسارتها لنصف إيراداتها السنوية تقريباً.  ولكن تراجع التجارة العالمية، وإن كان قد تسارع مع تراجع أسعار النفط والسلع الأولية، إلا أنه كان قد بدأ قبل ذلك مع تراجع النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة تحت تأثير الأزمة الرأسمالية، وتراجع النمو هذا هو المحدد الرئيسي لتراجع التجارة العالمية، يضاف إليه وصول تباطؤ النمو هذه السنة إلى الدول الصاعدة، كالصين التي تعتبر محرك النمو العالمي، وأمله المنشود..

جملة هذه العناصر المترابطة، والمتدهورة سريعاً، تشير إلى أن الاقتصاد العالمي، يفقد أداة مناورته الهامة، وهي فقاعة القطاع المالي، وجاذبيته العالية خلال عقود، لاجتذاب الأرباح المنتجة عالمياً، لتصب في دورته، وتضخم قدرته على التضاعف والتوسع الانفجاري.. وهي الآلية التي كانت ناجحة في تغطية معدلات الربح الصناعي المنخفضة في دول المركز، التي كان الريع المالي العالمي يخفيها..

فقد القطاع المالي جاذبيته، القائمة على قدرته على تحقيق الربح السريع والمضمون للمستثمرين، وأصبح أكثر خطورة، وعرضة للانفجارات، وعليه فقد الاقتصاد العالمي واحدة من أهم أدواته (لشفط) الربح المتشكل عبر العالم من عمليات الإنتاج الحقيقي. 

«فرصة جديدة»

ورغم أن هذا يشكل خطراً من جانب ما على الدول الصاعدة التي تمتلك إمكانيات نمو، ومعدلات ربح أعلى، نتيجة للترابط العميق، في التمويل والديون والتجارة العالمية، إلا أنه يشكل فرصة أيضاً تجعل عملية الانعزال النسبي عن الانخراط في منظومة المال المعولمة، والبحث عن شركاء تمويل وتجارة أقل جوراً وأكثر تعاوناً، عملية ضرورية. وهذا ما يجد انعكاسه في أداء الدول الصاعدة، من حيث سعيها التدريجي للانعزال النسبي عن مخاطر منظومة المال العالمية، كما في بيع الصين لسندات الدين الامريكية، وشراء الصين وروسيا للذهب كاحتياطيات، وكما في التعاون الاقتصادي الذي يحاول أن يرسي أسس مالية ونقدية جديدة في آسيا تحديداً، وبريكس، والاتحاد الأوراسي عموماً.

8% أعلى معدل نمو استهلاك للصين

اقتصر معدل نمو الاستهلاك العائلي في الدول المتقدمة  على 3,2% سنوياً خلال الفترة بين 1981-1990 تراجع إلى نمو سنوي 0,3% في الفترة بين 2008-2011، بينما بلغ معدل النمو الوسطي السنوي للاستهلاك العائلي في الصين 11,8% سنوياً، خلال الثمانينيات، وانخفض إلى 8,7%  في التسعينيات محافظاً على هذا المستوى حتى عام 2011، وهو أعلى معدل نمو استهلاك عائلي سنوي في العالم.

تقرير الأمم المتحدة للتنمية والتجارة الدولية- 20130 يونكتاد.