عباد الشمس:القمح يقاوم وحيداً.. والسوق تحدد السّمت!
لم يبق من المساحات المزروعة بالقطن إلا ربع ما كانت عليه في عام 2010، بينما تعتبر زراعة الشوندر شبه منتهية في سورية، حيث خسر الشوندر 94% من مساحات زراعته المسجلة في عام 2010، وبالقياس إلى كِلا المحصولين، يسجّل القمح قدرة مقاومة أعلى في ظروف الأزمة. حيث ساعده عدم التدهور الأمني في أوضاع الجزيرة السورية التي تشكل الوزن النوعي الأهم في زراعته، هذا من جهة. بالإضافة إلى أن زراعته البعلية جعلت أثر ارتفاع أسعار المازوت عليه أقل شأناً، مع العوامل الأخرى التي تجعل تكاليفه في منطقة الجزيرة أقل من تكاليفه في المناطق السورية الأخرى، ومع ذلك فإن القمح في الجزيرة خسر ربع المساحات التي كان يزرع بها، وهي نسبة كبيرة بالمقارنة مع جملة الظروف الداعمة نسبياً.
القمح يتعرض لمنافسة حادة في السوق التي أصبحت تحدد خطة المزارعين بشكل تلقائي، فعندما تكون ارتفاعات تسعير القمح الرسمية التي تدفعها الحكومة للمزارعين، أقل بكثير من المستوى العام لارتفاع الأسعار، ومن مستوى تراجع قيمة الليرة، وارتفاع سعر صرف الدولار، فإن المزارعين سيسعون لتوسيع زراعاتهم المتطابقة مع طلب السوق، وفي مقدمتها الزراعات التصديرية المتمثلة بالنباتات الطبية والعطرية.
لذلك فإنّ القمح الذي زُرع في العام الماضي، سوّق الجزء الأهم منه تهريباً، بعد أن دفعت الحكومة للمزارعين 60 ليرة في الكغ، بالمقابل استوردت الحكومة القمح بأسعار تفوق الأسعار العالمية ووصلت إلى 240 يورو للطن، عندما كان أعلى سعر للطن عالمياً 183 يورو، ودفعت الحكومة للشركات الناقلة لقمح الجزيرة ثلث ما تدفعه للمزارعين!
السخاء الحكومي لتأمين القمح، يظهر في الأسعار التي تدفع للمستوردين، وللمستثمر القادر على التوافق مع خطوط الصراع جميعها، ولكن التقشف يظهر في الأسعار المدفوعة للمزارعين، ليلجؤوا بالنهاية إلى زراعات تحقق لهم عوائد 500- 600% من التكلفة، وتكون خسارة المساحات المزروعة في محافظة الجزيرة بمجملها من مساحات زراعة القمح تقريباً..
خسر القمح في الجزيرة المنظومة المؤسساتية التي كانت تدعم توسعه واستمراره، وأهمها منظومة التمويل والإقراض من المصرف الزراعي، الذي تراجع بنسبة 99% بين عامي 2012 و 2014 بعد قياس حجم الإقراض وفق سعر صرف الدولار المتغير، وخسر كذلك منظومة التسويق، فعندما يقتصر التسويق للحكومة على 15% من الإنتاج في عام 2015 فإن هذا يعني أن السوق أصبحت تحكم توسع زراعة القمح من عدمه، وهو ما يعني وضوحاً أن السياسات الحكومية الليبرالية باتت، وعبر «استراتيجياتها»، عدواً مبيناً لهذه «الزراعة الاستراتيجية».