عبّاد الشمس:الربح من الجوع.. (لعب على حافة الهاوية)

 عندما فرض الغرب العقوبات الاقتصادية على سورية منذ بداية الأزمة، قصد منها إعلان الحرب الاقتصادية على السوريين، وعندما أعلنت السياسية الاقتصادية الليبرالية بشكل واضح بأنها لن تقوم بأية إجراءات اقتصادية استثنائية خلال الحرب لمواجهة العقوبات، استكملت دورها التابع – موضوعياً - في منظومة الاقتصاد العالمي المعادية للشعوب، لننتهي إلى ما انتهينا إليه اليوم، حيث غذاء الشعب السوري أصبح مرهوناً بالدولار وبالقادرين على حيازته واستخدامه، ليؤمنوا بشروط ربحهم الاحتكاري غذاء السوريين، بينما جهاز الدولة مسلوب الإرادة والقرار والمساهمة.. 

إن مواجهة العقوبات كانت تتطلب تعبئة إمكانيات الإنتاج الغذائي، وهذا ما أعاقته القوى الليبرالية عندما تم طرح تمويل السلة الغذائية المدعومة للأسر السورية، ولجأت إلى سياسة (تأمين تدفق السلع) أي عبر الاستيراد، لتنتقل أموال الاحتياطي السوري من القطع الأجنبي، تباعاً إلى قوى سوق كبرى، وبشكل انتقائي، حصلت على القطع الأجنبي بأسعار رسمية منخفضة، واستوردت السلع الغذائية لتبيعها للسوريين بأسعار مضاعفة عن الأسعار العالمية التي كانت تتجه طوال السنوات الخمس للأزمة وحتى اليوم إلى الانخفاض. 

لم تتجه الحكومة لتوسيع استفادتها من الخطوط الائتمانية التي فتحها الأصدقاء بالحدود والأسعار الممكنة عالمياً، حيث استمر دور الوسطاء، وبقيت أسعار المواد المستوردة مثل القمح عبر الخطوط الائتمانية أعلى من الأسعار العالمية بنسب هامة، وانسحبت الحكومة من بقايا الدعم التمويني بشكل غير معلن، لينتهي عملياً توزيع السكر والأرز المقنن، المعونات الدولية تحولت إلى تجارة رابحة في السوق السورية، لتهيمن عليها قوى السوق السوداء وتحولها إلى سلعة رابحة تكلفتها لا تتطلب إلا قليلاً من النفوذ، بينما أسعارها تقارب وتفوق الأسعار العالمية..

انتهت زراعة الشوندر السكري، وتراجعت زراعة القمح، مع إبقاء أسعار الشراء الحكومية من المزارعين على هامش التكلفة. أما رفع أسعار المحروقات والكهرباء وعدم السعي الجدي لتأمينها للمنتجين، فكانت العامل الحاسم في تراجع الإنتاج الغذائي، ولم تتوسع صناعة الزيت النباتي، ولم تتوسع حصة مؤسسات الأعلاف الحكومية من سوق تأمين المستلزمات، فارتفعت أسعار اللحوم، وأصبحت معدّة للتهريب في سوق محلية لم تعد أجورها الوسطية تعادل 5 كيلوغرامات من لحم الأغنام السورية..

جاع السوريون بعد أن أدى القرار الليبرالي الاقتصادي السوري دوره بالتمام والكمال في (معاقبة) الشعب السوري، ورهن غذائه بالخارج، وبقلة من السوريين أصحاب الاحتياطيات الكبرى والعلاقات الدولية التي تتيح لهم الهيمنة على لقمة شعب يعيش الحرب.

إن (العبث الاقتصادي) بلقمة معيشة الناس الضرورية، والربح من الجوع، هو (لعب بالنار)، ويضع أصحابه على حافة الهاوية التي لن تستطيع قوة أو نفوذ انتشالهم منها.