الهروب من البنك الدولي
في مقالة للبرفسور ديفتش كابور (DEVESH KAPUR) أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، على موقع Project-syndicate.org، حاول الوقوف عند تقييم وضع البنك الدولي حالياً في ظل صعود مؤسات أخرى منافسة لأداء أحد أهم المؤسسات الدولية التي مثلت رأس حربة هيمنة دول الشمال الغنية على دول الجنوب الفقيرة منذ منتصف القرن الماضي بعد اتفاقية بريتون وودز الشهيرة.
يستهل كابور مقالته بالتلويح بخطر المؤسسات الصاعدة التي تجاهلها البنك الدولي مؤخراً في اجتماعه الأخير، فيرى أن (القضايا الشديدة الوضوح التي اختار الجميع تجاهلها في الاجتماع السنوي لصندوق النقد والبنك الدوليين في ليما بدولة بيرو، تتمثل بالبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية الذي تقوده الصين، وبنك التنمية الجديد للبريكس).
بيروقراطية الدول المتقدمة
ويردف كابور حول أداء البنك الدولي الحالي المترهل، قائلاً إن: (البنك الدولي أصبح أشبة بسفينة قديمة، فخلال سبعة عقود تراكمت على بدنه أشكال العوالق كافة، فأعاقت سرعته وأداءه بشكل مضطرد إلى أن أصبح من المحتم أن يفسح الطريق أمام السفن الأحدث). ويضيف كابور (بمرور الوقت، تكاثرت المناصب الجديدة مثل منصب المراجعة الداخلية، ومنصب التقييم المستقل، وفريق التفتيش، وكبير مسؤولي الأخلاقيات، ومكتب النزاهة المؤسسية)، فيما حمل كابور المسؤولية في هذه المشكلة إلى البلدان المتقدمة المهمينة على بنية البنك قائلاً: (أغلب هذا النمو البيروقراطي راجع إلى ضغوط من البلدان المتقدمة)!
ولتوضيح تفاصيل تراجع أداء هذه المؤسسة قارن كابور بين أداء البنك الدولي، وبنك الاستثمار الأوروبي في العام الحالي 2015، فوجد أن بنك الاستثمار الأوروبي (المؤسسة الأشبه بالبنك تقليدياً) قدمت قروضاً تجاوزت ضعف الكمية التي قدمها البنك الدولي، وبالاستعانة بسدس الموظفين فقط. ووفقاً لكابور (سواء استخدمنا التدفقات «مصاريف القروض» أو رأس المال «القروض القائمة» كمقياس، فسوف نجد أن البنك الدولي يعاني من العمالة الزائدة بشكل كبير وميزانيته الإدارية أعلى كثيراً من نظيرتها لدى بنك الاستثمار الأوروبي).
أولويات منحرفة!
كما يشرح كابور أفكار عدة تعزز فكرة تراجع أداء البنك الفعلي القائمة على تراجع نمو علمليات الإقراض والاستثمار لصالح العمل البيروقراطي فيقول: (كان العزوف عن المخاطرة مصاحباً بأولويات مؤسسية منحرفة، كما يتضح من ميزانية البنك. ففي العام المالي 2015، تم تخصيص 623 مليون دولار لغرض «إشراك العميل»، في حين ذهب ما يعادل هذا المبلغ مرة ونصف، أو 931.6 مليون دولار، إلى «الحوكمة والإدارة المؤسسية» (أما مبلغ الـ600 مليون المتبقي، لغرض «إدارة البرامج والممارسات»، فهو مخصص ظاهرياً لدعم عمليات الإقراض). وكانت مصروفات مجلس الإدارة التنفيذي وحده نحو 87 مليون دولار. ويعلن البنك على الملأ عن فضائل البحوث ــ ثم ينفق بالقدر نفسه تقريباً ــ 44 مليون دولار ــ على «العلاقات الخارجية والشركاتية»)!
بديل للدول الصاعدة
ورغم أن كابور لم يرَ في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تقوده الصين، وبنك التنمية الجديد (بنك البركس) المؤسستين الصاعدتين نموذجاً بديلاً بعد على مدى العقد المقبل، كون (أن حجم المبلغ المدفوع من رأس كل منهما هو 10 مليار دولار لذلك، حتى لو بلغت نسبة رأس مال المساهمين إلى القروض 20% كما هو الحال في البنك الدولي، فسوف تكون قدرة البنكين على الإقراض نحو 50 مليار دولار، وبالتالي من الصعب تغير قواعد اللعبة ما لم ينجحا في حشد قدر كبير من الاستثمار الخاص)، إلا أنه يعود ويؤكد أن هذه الجهات تشكل بديلاً هاماً للدول الناشئة الأكبر حجماً (التي تضع قدراً كبيراً من رأس المال في مؤسسات تهيمن عليها الصين) وفقاً لتعبيره، وهو ما يشير (بوضوح إلى مدى الإحباط الذي أصابها من سلوك البنك وصندوق النقد الدوليين) على حد قوله.
ويحمل كابور الدول المتقدمة مرة أخرى مسؤولية توجه القوى الناشئة إلى هذه الخيارات حيث يرى (أن العديد من التحديات التي تواجة البنك تأتي من الضغوط المفروضة عليه من قبل المساهمين الأكبر حجماً... فلم يعد أمام الاقتصادات الناشئة أي خيار سوى إنشاء مؤسسات خاصة بها).
ويختم الباحث في جامعة بنسلفانيا مقالته بالجزم بأنه: (لن يختفي البنك الدولي... ولكن أداءه يلخص كيف من الممكن أن تعاني حتى السفن الجيدة التصميم من التباطؤ نتيجة لتراكم العوالق، إلى أن يصبح من المحتم أن تفسح الطريق أمام السفن الأحدث)!.