التجارة الخارجية في 9 أشهر.. الصادرات عُشر الواردات.. خسارة قطع وإيرادات
أعلنت الجمارك السورية على لسان مديرها العام، أرقام المستوردات والصادارت والإيرادات الجمركية السورية خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2015، لتتضح مجدداً النتائج الفعلية لسياسة التجارة الخارجية الحكومية خلال الأزمة.
فالحكومة لا تزال تنطلق من سياسات الظروف العادية، لتحاول من خلال السوق أن توازن بين الاستيراد والتصدير وتدير العجز.. لتترك الاستيراد للتجار، وتقيده بالحدود الدنيا، بل وتموله بالقطع الأجنبي، متسامحة مع الحالات المعلنة لاستخدام القطع لأمور غير تجارية من قبل المستوردين، مع تخفيض الرسوم الجمركية، وبالمقابل تركز على تصدير ما أمكن، متجاهلة الحقائق التي تقول أن ما يمكن تصديره حالياً هو مواد زراعية فائضة من قبل كبار التجار، وعلى حساب أسعار متدنية للمزارعين، وأسعار مرتفعة على المستهلكين السوريين، وفي كل عام يفشل المصدرون في تحقيق عوائد كافية للمزارعين في المنتجات الفائضة المحدودة ببعض الأنواع فقط!.. وكحصيلة لهذا وذاك فإن سوق التجارة الخارجية تقلّص الإيرادات الحكومية، وتبتلع مزيداً من إمكانيات تصنيع المنتجات المحلية.
السعي لتغطية الواردات بالصادرات!
وفق معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية د. حيان سلمان في الشهر السابع من العام الحالي، فإنه يجب أن تغطي صادراتنا قيم مستورداتنا بنسبة 100% في الأوضاع الطبيعية للاقتصاد، وفي الظروف الحالية ينبغي أن تتراوح النسبة بين 80-90%، وفي الحد الأدنى لا يجوز أن تنخفض قيم الصادرات عن 30% من قيم المستوردات لأن ذلك يصبح غير مقبول اقتصادياً!.. بحسب تعبيره.
لكن ذلك لا ينطبق على الاقتصاد السوري، لا في الظروف الطبيعية ولا في ظروف الأزمة، فنسبة تغطية الصادرات للمستوردات في عام 2010 كانت أقل من 50% إذا ما أخذنا ذاك العام مقياساً للأوضاع الطبيعية ( 17.7مليار دولار استيراد، 8.8 مليار دولار تصدير) وبشكل عام فإن (العجز المتصاعد) هي سمة الميزان التجاري السوري منذ عام 2000، وفي هذا ترجمة للاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد السوري في ظل التوجهات الليبرالية الداعمة للربح التجاري السريع.
أما في العام الحالي، فقد بلغت المستوردات وفق تصريحات مسؤولي الجمارك حتى الربع الثالث من عام 2015 مبلغاً قدره 1186 مليار ل.س (3.89 مليار دولار)، وتشكل 91% من مستوردات عام 2014، بالمقابل كانت الصادرات 123.5 مليار ل.س ( 412مليون دولار) مشكلة 31% من إجمالي صادرات عام 2014 البالغة 1.3 مليار دولار. ويعود تراجع الصادرات بشكل كبير إلى إغلاق المعابر البرية بشكل شبه كامل، والتراجع في الإنتاج بما يتناقض مع التصريحات الحكومية عن التعافي الاقتصادي وتحقيق نمو اقتصادي بمعدل 1% .
الصادرات/ الواردات.. 1/10
خلال سنوات الأزمة استمر تناقص الصادرات مقابل تصاعد المستوردات، فقد تراجعت نسبة تغطية الصادرات للمستوردات خلال الربع الثالث من عام 2015 إلى 10.4% في حين كانت قيم الصادرات في عام 2014 تغطي 28.8% من قيم المستوردات، مما يعني خسارة كبيرة في الميزان التجاري بمبلغ 3.5 مليار دولار تظهر آثارها في التراجع المستمر في أسعار صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي التي تجاوزت سقف 330ل.س/$ وفق الجدول(1):
خسارة أكثر من مليار دولار..
يمول المصرف المركزي مستوردات التجار بنسبة 40% بما يشكل مبلغاً قدرة 1.55 مليار دولار من إجمالي المستوردات خلال الأشهر التسع الأولى من عام 2015.
يحصل المصرف المركزي من التجار المصدرين على نسبة 50% من الصادرات كقطع تصدير، وباعتبار أن المصرف المركزي حصل النسبة كاملة فإن واردات المركزي من التصدير تبلغ 206 مليون دولار فقط.
مع الإشارة إلى أن المركزي لا يستعيد قطع التصدير كاملاً، حيث أعلن حاكمه في 1-2015 أن قطع التصدير المُعاد لا يغطي 10% من تمويل المستوردات.
كمحصلة للسياسة التجارية التي تتبناها الحكومة فإن مقدار الخسارة من القطع الأجنبي للربع الثالث لعام2015 = 1.55 مليار دولار-206 مليون دولار = 1.34 مليار دولار.
إيرادات حكومية أقل من التجار
خفضت الحكومة التعرفة الجمركية بتاريخ 11-2014، وكان دمج التعريفات وتوحيدها، باتجاه التخفيض يُبرر حكومياً، بأنه سيسهل التحصيل الجمركي، ويزيد بالتالي من الإيرادات الحكومية، ولكن هذا التبرير لا يمكن أن يغطي انخفاض مختلف التعريفات على أغلب المواد، والتي أصبح سقفها 30%، بينما كان يصل في سلع مستوردة إلى نسبة 100%.
واتضحت النتيجة الطبيعية لهذا التوجه، زيادة الاستيراد وتقليص تكاليفه على التجار، وتقليص إيرادات الحكومة منهم جدول (2):
نلاحظ تراجع نسبة الإيرادات الجمركية إلى المستوردات بين عامي 2013-2015بنسبة 35%لينعكس ذلك في محصلة الإيرادات الحكومية التي انخفضت بنسبة 52% خلال الفترة نفسها, فكانت السياسة الحكومية تقوم بشكل أساسي على تقديم التسهيلات لكبار المستوردين من خلال تخفيض الرسوم الجمركية ،تمويل المستوردات ،على حساب المال العام والمنتج الوطني، احتياطي العملات الأجنبية، لينعكس ذلك في خسارة الموارد المالية التي من المفترض أن ترفد الموازنة العامة، وتدهور المستوى المعيشي لعموم السوريين..
لبنان أولاً.. السعودية رابعاً
احتل لبنان المرتبة الأولى من جهة المستوردات والصادرات، حيث وصلت قيمة المستوردات السورية من لبنان أكثر من 71 مليار ل.س والصادرات بقيمة 20.4 مليار ل.س، الصين في المرتبة الثانية بقيمة مستوردات وصلت إلى أكثر من 66.8 مليار ل.س، وتأتي أوكرانيا في المرتبة الثالثة بقيمة مستوردات 65.5 مليار ليرة سورية، أما من جانب الصادرات ، السعودية بقيمة صادرات 19.5 مليار ل.س مصر بقيمة 11 مليار ل.س.
تركيا المستوردات 6 أضعاف الصادرات
تركيا في صدارة الدول المشاركه في الحرب على سورية والمساهمة في تدمير ونهب للاقتصاد السوري، أيضا من جانب التبادل التجاري تقع في صدارة الدول التي تعزز خسارة الميزان التجاري السوري لصالح تركيا، فالمستوردات السورية من تركيا خلال الربع الثالث من عام 2015 تبلغ 54.1 مليار ل.س بينما الصادرات 8.9 مليار ل.س مما يعزز خسارة الميزان التجاري السوري بمبلغ45.2 مليار ل.س وهذا يطرح العديد من التساؤلات حول استمرار العلاقات التجارية التي كانت لصالح تركيا على حساب الاقتصاد السوري قبل الأزمة واستمرت خلال الأزمة.
تتلخص أهداف سياسة الحكومة للتجارة الخارجية خلال سنوات الأزمة بتأمين المواد الأساسية، ترشيد استخدام القطع الأجنبي لتخفيف الأعباء الحكومية، والتركيز على التصدير مع أخذ الإنتاج الوطني بعين الاعتبار.. وهذه الأهداف المُعلنة والتي لا تتحقق من السياسات المتبعة..
حيث يمكن أيضاً تلخيص الحاصل فعلياً، بتوسع الاستيراد مقابل تقلص التصدير، وهدر القطع الأجنبي عبر تمويل مستوردات المستوردين، وعدم التعويض الكافي بقطع التصدير، أي خسارة الدولارات الموجودة في المصرف المركزي دون أن تعود علينا الصادرات بالمبالغ ذاتها، ويضاف إلى ذلك أن الإيرادات الحكومية من رسوم الاستيراد في تضاؤل مع تخفيض الرسوم على التجار، أما المواد فقد تأمنت ولكن الأسعار لم تستقر وقدرات الشراء في تراجع مطلق.
ومقابل إطلاق الاستيراد وتسهيلاته، والتركيز على التصدير وحدوده الموضوعية، فإن الإنتاج المحلي يتقلص تحديداً مع إنهاء سياسات دعمه الفعلية، التي تزيد (طين الأزمة بلّة)!..