المؤسسات الدولية: العدالة في توزيع الدخل شرط للنمو والقضاء على الفقر!
تستعرض قاسيون، في ظل استكمال تقاريرها عن الاقتصاد الدولي لعام 2014 الفائت، أهم النقاط في تقارير المؤسسات الدولية، والتي نشرت مؤخراً بعضاً من تقاريرها عن وضع الاقتصاد العالمي في العام المنصرم، وقد تناولت قاسيون في هذا العدد التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية الأبرز وهي: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية (UNDP)، متوخية تسليط الضوء على الجوانب الاجتماعية والتنموية التي تعكس شيئاً من تطورات الاقتصاد الدولي المأزوم.
وفقاً لمستجدات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي1 الصادر عن صندوق النقد الدولي في 20 كانون الثاني 2015، فإن النمو العالمي سينخفض 0،3% لتبلغ توقعاته للفترة بين 2015-2016 حوالي 3،5% وهو التخفيض الثاني لهذه التوقعات من نيسان الماضي، حيث توقع لها سابقاً النمو عند حدود 3،8% في تشرين الأول وقبلها بـ 3،9% في تقرير نيسان 2014. ويعزو صندوق النقد التراجع الأخير في توقعات النمو إلى ضعف النشاط الاقتصادي في بعض كبرى البلدان المصدرة للنفط بسبب الهبوط الحاد في أسعاره. بالإضافة إلى تقلبات أسواق المال في اقتصادات الدول الصاعدة واستمرار الركود في اليابان والاتحاد الأوروبي على الرغم من تحسن توقعات النمو للولايات المتحدة، وفقاً لما جاء في التقرير.
البنك الدولي يخفض أغلب الفقر في 2030 بشروط؟!
رغم كل ذلك يبني البنك الدولي الشريك الثاني لصندوق النقد توقعاته وآماله ومشاريعه لتحقيق الهدفين التاليين2:
- إنهاء الفقر المدقع عبر تخفيض نسبة السكان الذين يعيشون على أقل من 1،25 دولار إلى نسبة 3% من سكان العالم حتى عام 2030 والبالغين 14،5% من السكان في عام 2011!.
- تحسين مستوى المعيشة للـ40% الأفقر من سكان العالم.
وبغض النظر عن مدى دقة نسبة الفقر الحالية ومعيار الفقر الذي يتخذه البنك الدولي، فهي معايير وأرقام تستدعي التدقيق، إلا أننا سنسعى إلى شيء من تقييم احتمالات إنجاز هذه المهمة في ظل هذه الأرقام المعلنة.
يرى البنك الدولي أن هذين الهدفين قابلين للتحقيق ضمن معدل نمو للاستهلاك الفردي بمعدل 4% خلال الأعوام الخمسة عشر القادمة وذلك في ظل عدم اختلال توزيع الدخل القومي الحالي. ويجد البنك الدولي أن سيناريوهات النمو العالمي التي بلغت وسطياً حدود 1،7% والتي تتراوح بين 0،6% للدول المتقدمة و4% للدول النامية تسمح بإيصال نسبة الفقر المدقع إلى 5% بحلول 2030 أي على بعد نقطتين فقط من الهدف المرسوم!. أما معدل النمو المتوقع في عام 2015 والقريب من الـ 4% فهو كافٍ فيما لو استمر لتحقيق هذين الهدفين.
لكن ماذا لو اختل سيناريو النمو المضطرب والذي لم يثبت حتى اللحظة؟ وماذا لو كانت نسب توزيع ذلك النمو في اختلال دائم. كيف سينتهي الفقر إلى افتراضات البنك الدولي في ظل النمو المضطرب واستمرار اللاعدالة في التوزيع وهما الشرطان الرئيسيان للقضاء على الفقر من وجهة نظر البنك الدولي؟!
الأمم المتحدة: عدم المساواة شملت 70% من السكان
يشير تقرير التنمية البشرية3 الصادر عن الـ(UNDP) في 2014، أن هنالك علاقة سلبية بين عدم المساواة والتنمية البشرية، فعدم المساواة يقلل من سرعة التنمية البشرية وقد يجعلها تتعثر. كما يضيف التقرير أنه على الرغم من انخفاض المؤشر الشامل لعدم المساواة (يشمل عدم المساواة في كل من الصحة والتعليم والدخل) إلا أنه غير كافٍ لتعويض زيادة عدم المساواة في الدخل رغم التقدم في مجال مؤشري الصحة والتعليم.
ويبين تقرير التنمية البشرية أن ظاهرة عدم المساواة في الدخل بين عامي 2010 و2014 ارتفعت في كل من دول شرق آسيا والمحيط الهادي، ودول شمال آسيا، ودول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقياً، وشملت أكثر من 50% من البلدان التي فيها 70% من سكان العالم. بينما لم تتغير بشكل جدي في البلدن العربية، وتحسنت بشكل رئيسي في دول أمريكا اللاتينية وأوروبا ووسط آسيا فقط وهي المناطق التي تحوي 25% من سكان العالم فقط. كما تحدث التقرير عن ميلين لهذه الظاهرة، حيث يرى انخفاض ظاهرة عدم المساواة بين البلدان بينما تزداد عدم المساواة داخل كل بلد. مايعني عملياً استمرار ظاهرة عدم المساواة بشكل كبير و"معند" وفقاً لوصف التقرير!
يقدر تقرير التنمية البشرية أن ثلثي سكان العالم الأفقر سيتلقون 13% من الدخل العالمي فقط، بينما سيستحوذ الـ1% الأغنى على 15% من الدخل. كما يقول التقرير أن نصف الثروة العالمية يملكها أغنى 1%، وأن أغنى 85 شخصاً يحوزون ثروة تعادل ثروة النصف الأفقر من السكان وهم 3،5 مليار إنسان.
ترابط الفقر وعدم المساواة والنمو!
لم تعد ظاهرة عدم المساواة في الدخل خطرة من حيث أبعادها الاجتماعية، فهي اليوم ذات بعد اقتصادي هام، فهي تؤثر على نمو الناتج القومي، ويثبت تقرير البنك الدولي حول مراقبة الوضع العالمي 2014-2015، هذه الفكرة، حيث يرى أن كل زيادة بمقدار نقطة في مؤشر (جيني) لعدم المساواة تؤدي إلى تخفيض نمو الدخل بمعدل 0،2%، وذلك بالنسبة للبلدان المتقدمة كألمانيا والدنمارك والسويد، والتي أصيبت بظاهرة عدم المساواة أيضاً. حيث يشير تقرير البنك الدولي إلى أن متوسط دخل أغنى 10% من السكان يفوق الـ10% الأفقر بـ 9،5 مرة، بينما كان يفوقها ب 7 مرات فقط قبل 25 عاماً هناك. كما أن 11% من سكان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية4 أصابهم الفقر النسبي. وفي المقابل ووفقاً لتقرير التنمية البشرية فإن زيادة نمو الدخل بمعدل 1% يؤدي إلى تخفيض الفقر بمعدل 4،3% في المجتمعات الأكثر عدالة، إلا أن نسبة النمو تلك لاتخفض الفقر إلا بمعدل 0،6% بالنسبة للمجتمعات الأقل عدالة.
هوامش:
1-صدر عن صنودق النقد الدولي تقرير (آفاق لاقتصاد العالمي) في نيسان 2014 وتم تحديثه في تشرين أول من نفس العام، وصدر مرفق مستجدات لهذا التقرير في كانون الثاني 2015.
2-وذلك وفقاً لما جاء في تقرير مجموعة البنك الدولي حول مراقبة الوضع العالمي 2014-2015، إنهاء الفقر والمشاركة في الازدهار.
3-تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية عام 2014.
4-دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وهي 34 دولة معظمها من دول أمريكا الشمالية وأوربا.
خلاصة:
لقد أظهرت تقارير المؤسسات الدولية الثلاث، الأمم المتحدة، وصندوق النقد والبنك الدوليين، وبغض النظر عن منهجية تحليل الأرقام ووضعها من قبل المؤسسات الدولية التي نختلف معها كثيراً، أن حل مشكلة الفقر على الصعيد العالمي باتت ترتبط بمحددين اثنين هما النمو والعدالة في توزيع الدخل. كما أظهرت هذه التقارير أن مشكلة العدالة الاجتماعية أو عدم المساواة وحلها هو شرط أساسي لحل إشكالية النمو سواء على المستوى العالمي أم على مستوى كل بلد. كما رأت هذه التقارير أن المدد الزمنية لحل هذه المشاكل هي مهمات طويلة الأجل، وأن لاحل لهذه المشاكل في الأفق المنظور وفق الأدوات القائمة. وأكدت هذه التقارير أن كلاً من ظاهرتي الفقر وعدم المساواة هما في ازدياد وباتتا تهددان كل دول العالم بما فيها العالم المتقدم. وإن الأخطر من كل ذلك أن حل مشكلة خطيرة كالفقر بات مرهوناً بانتعاش واستمرار النمو الاقتصادي العالمي الذي أصبح أكثر عرضة للانخفاض والركود والتقلب من ذي قبل، كما أن ظواهر النمو الاقتصادي والفقر والعدالة في التوزيع باتت ظواهر أكثر ترابطاً من السابق..