الحكومة تنفذ مالم تنفذه الحكومة السابقة!!
عندما نقول إن الحكومة الحالية لم تستفد من تجربة عشر سنوات من الانفتاح الاقتصادي والليبرالية وما رافقتها من نتائج على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، لذلك فهي تنفذ مالم تنفذه حكومة العطري.
برنامج الحكومة
• رفع الدعم عن مواد أساسية حياتية
• طرح قوانين تنتقص من حقوق مكتسبة
• التردد في موضوع القطاع العام وطرح موضوع التشاركية.
• عدم اتخاذ أي قرار حيال شركات متوقفة عن العمل والإنتاج وهي شركات استراتيجية وهامة، وهي متوقفة ليس بسبب الوضع الأمني وإنما لفسح المجال أمام السماسرة كالإطارات والسماد.
• الحديث الدائم عن محاربة الفساد والذي لا يطال إلا عمالاً تأخروا عن دوامهم اليومي.
ما نفَذَ ينفّذ
صدر قرار من رئاسة مجلس الوزراء بتعطيل الدوائر والمؤسسات الرسمية من يوم الخميس 24/7 حتى الثالث من الشهر الحالي، وكانت حكومة العطري وفي عام 2007 اتخذت قراراً أيضاً بعطلة استمرت عشرة أيام في عيد الأضحى.
والسؤال هنا:
هل هناك دولة في العالم تعطل مؤسساتها الإنتاجية والخدمية لمدة عشرة أيام وتنقطع عن العالم خلال هذه الفترة؟
نعم تعطلت سورية عام 2007 بمناسبة العيد وتعطل الآن في العام 2014 ولن نناقش هنا ما تعنيه أو ما هي منعكسات أن تنقطع عن العالم الخارجي.
القانون أولاً
دون أي تحفظ نحن مع القوانين العمالية في القطاعين العام والخاص التي أقرت العطل في الأعياد والمناسبات وهي حقوق مكتسبة ندافع عنها، إلا أن القوانين تقر عطلة عيد الفطر بثلاثة أيام والأضحى بأربعة أيام.
مامعنى إذاً أن تستمر العطلة عشرة أيام؟
عام 2007 وسبق عطلة الـ 10 أيام كان هناك تصريح لرئيس الفريق الاقتصادي قال فيه «إن إغلاق بعض الشركات والمؤسسات في القطاع العام نهائياً مع دفع رواتب العمال أربح لخزينة الدولة من استمرارها بالعمل وتكبدها مئات الملايين من الخسائر» ومن هنا فقد قامت الحكومة آنذاك بالتجربة والحكومة الحالية تطبق التجربة أيضاً.
أي سطحية في هذا الطرح، يقابل ذلك سذاجة وسطحية الجهات التي تطرح خسائر القطاع العام دون وضع برامج تنفيذية عملية تخرج القطاع العام من وضعه الراهن ودون معرفة الفارق بين الخسائر الاقتصادية والخسائر التجارية، وهنا عندما نقول سطحية وسذاجة فإننا نعطي صك براءة للفريق الاقتصادي سابقاً وحالياً وهذا خطأ.. لأن الوقائع تقول بأن تغلق الشركات والمعامل، وأن نقوم باستيراد ما نحتاجه وفي ذلك توفر الخسائر التي تتكبدها الدولة جراء الإنتاج وهذا ما حصل وما يحصل فعلاً.
تبريرات واهية
من أجل مصداقية الفريق الاقتصادي عام 2007 صدرت تصريحات لاحقة لعطلة العشرة أيام وتصريحات خسائر القطاع العام تقول وتردد في كافة الاجتماعات وخصوصاً في مجلس الاتحاد العام للعمال تكلفة كيلو سكر المنتج في سورية آنذاك 37 ل.س وفي الاستيراد يكلف الكيلو 16 ل.س إذاً الاستيراد أفضل من الإنتاج و إطارات أفاميا السورية تباع أغلى من المستورد وإن الشركة تخسر والاستيراد يقلل الخسائر وفي شركة بردى ومحركات اللاذقية ومعمل الألمنيوم والشركات الغذائية وغيرها نسمع المعزوفة نفسها. طبعاً أكثر هذه الشركات الخاسرة كانت بحاجة إلى قروض لتطوير الخسارة ومن أجل نقلها إلى قروض لتطوير إنتاجها ومن أجل نقلها من الخسارة إلى الربح.
شركة الإطارات رفعت مئات المذكرات من أجل الحصول على قرض يبلغ 100 مليون ل.س لتطوير بعض الخطوط الإنتاجية أو من أجل شراء مواد أولية ولم تستطع الحصول على القرض، وشركة بردى أيضاً كانت بحاجة إلى 150 مليون ل.س. وشركات أخرى عديدة كانت تطالب وتناشد وتستجير ولا من مجيب!! هل هذه سذاجة؟ لا أعتقد بل أن ما جرى رافق الليبرالية وكان بإملاءات من منظمات دولية معروفة.
ماذا تعني الخسائر؟
الخسارة في شركات ومؤسسات القطاع العام لا تحسب تجارياً وإنما تحسب اقتصادياً، الخسارة التجارية تخص شركات ومعامل القطاع الخاص لأن هدف أصحابها الربح الشخصي والمباشر، أما شركات ومؤسسات القطاع العام فإن دورها اقتصادي وسياسي واجتماعي، قد تخسر عشرات الشركات تجارياً، ولكنها تخدم عشرات الشركات الأخرى ومنها مثلاً: معامل الزيوت تخسر هذه الشركات، ولكنها رابحة لأنها تقدم العلف إلى معامل الأعلاف، ودونها سوف نستورد البذور، وهي تصنّع بذور القطن وبذور عباد الشمس، وهي تقدم خدمة للفلاحين .كذلك معامل السكر قد يكلف إنتاج كيلو السكر 100 ل.س ولكن معامل السكر تشغّل آلاف العمال وتخدم عشرات الألوف من الفلاحين، وتنتج أيضاً مادة الملاس لشركات في القطاعين العام والخاص، ولولا معامل السكر وما تقدمه غير مادة السكر لدفعنا مبالغ كبيرة لاستيراد ما تنتجه هذه المعامل. وشركة الأسمدة تقدم مواد أولية عديدة لشركات القطاعين العام والخاص واستيراد هذه المواد يكلف ملايين الدولارات كذلك شركات الغزل والنسيج. نعم تخسر شركات ومعامل عديدة في القطاع العام وأسباب الخسارة بات الجميع يعرفها.. والحل ليس في إغلاق الشركات، وهي في الحسابات الاقتصادية لا تخسر ولو أجرينا حسابات دقيقة لوجدنا أن كيلو السكر لا يكلف أكثر من 20 ل.س، والحل كما قلنا ليس في إغلاق الشركات والاستيراد والعودة إلى ماقبل الثورة الصناعية، الحل في إدارة وطنية، والقطاع العام هو عنوان الوطنية.
مع العطلة
ورغم كل ذلك فإن كافة العاملين في الدولة شعروا بالرضا العام والارتياح العام لعطلة العشرة أيام لأن عام 2007 يختلف عن العام الحالي.. وهي استراحة من الأخطار التي يتعرض لها العامل والموظف في ذهابة إلى العمل ورجوعه إلى بيته، وهي استراحة من المبالغ الكبيرة التي يدفعها الموظف أجور مواصلات، والتي تستنزف دخله الشهري.. وهي استراحة لاحتياجات بيته من الغاز والمياه والخبز وسلع أخرى عديدة.. وفي كل الأحوال في عام 2007 كانت العطلة تجربة لتخفيف الخسائر في الشركات، ونأمل أن لا تكون عطلة هذا العام للأسباب لنفسها.