قرارات رسمية متناقضة.. تطرح أكثر من سؤال!

قرارات رسمية متناقضة.. تطرح أكثر من سؤال!

أقيل مدير معمل أسمنت طرطوس نتيجة مخالفاته، وأعيد تعيينه في إدارة المؤسسة العامة لأسمنت سورية. امتنع المستثمر (مجموعة فرعون) عن استكمال مستحقاته لمعمل الإسمنت، ولم يحقق شروط العقد وأوقف العمل، وأعيد ليستثمر في أسمنت طرطوس وعدرا..

هذا الإجراء كان الرد عليه من مجموعة من المبادرين، الذين نشروا وثائق رسمية تفيد في توضيح حجم المفارقات في السلوك الحكومي، وسنستكمل الرد بالتذكير بخلاصة ما نشرناه سابقاً حول نتائج عمل عقد (فرعون) في الأسمنت السوري بطرطوس، وهي المعلومات التي وردتنا أيضاً من مبادرين حريصين على القطاع والمنشأة الهامة.

قرارن للعلن..

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً مسربة عن قرارات حكومية رسمية موقع أحداها من وزارة الصناعة، والآخر من رئاسة مجلس الوزراء. وتناولتها (هازئة) بالتناقض بين القرارين الحكوميين، المتعلقين بإدارة معمل الأسمنت في طرطوس.
قبل القرارين نشر (المبادرون) وثيقة رسمية أخرى، بهدف إيضاح المفارقة في السلوك الحكومي. والوثيقة هي كتاب لمحافظ طرطوس رقمه: 134/س/10/11، بتاريخ 26/1/2013. مرسل إلى شركة معمل الأسمنت بطرطوس. يدعو فيه إلى التحقيق والتدقيق بمعلومات واردة عن مخالفات في المعمل. وقد أرفقوا صورة عن الكتاب الرسمي. أما القرارن فهما على التوالي.

إقالة (المخالف) في أسمنت طرطوس..

 بتاريخ 24-2-2014 أرسلت وزارة الصناعة إلى رئاسة مجلس الوزراء كتاباً تنتقد فيه وزارة الصناعة مدير عام شركة طرطوس لصناعة الأسمنت، وتقدم مبررات اقتراحها إقالته. ونقتبس مما ورد فيه:
(بناء على اعتبار شركة طرطوس لصناعة الأسمنت ومواد البناء من الشركات الهامة في المؤسسة العامة للأسمنت ومواد البناء التابعة لوزارة الصناعة). ونظراً ( لقيام مدير عام الشركة المهندس علي أحمد جوهرة بارتكاب مخالفات قانونية في العقود التي يبرمها لتأمين مستلزمات الإنتاج وعدم دراسة الحاجة أصلاً لهذه المواد إذ وجود مخزون يكفي لمدة ثلاث سنوات وعدم وجود ما يبرر السرعة للتعاقد بالتراضي).
ونتيجة (عدم امتلاك الإدارة النظرة الاستراتيجية والتخطيط السليم وعدم استغلال الإمكانات المتاحة لتحقيق أكبر كمية إنتاج ممكنة نقترح إعفاءه من عمله كمدير عام للشركة).
ورشح الكتاب اسمين لشغل وظيفة مدير عام لشركة طرطوس لصناعة الأسمنت ومواد البناء، أما التوقيع ومن وزير الصناعة السوري. تمت الإقالة بتاريخ 3-4-2014 وتم تعيين المهندس عهد إدريس عوضاً عن المدير المقال.

..تعيينه مسؤولاً عن أسمنت سورية!

أما القرار الثاني فهو القرار رقم 1298 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ: 27-4-2014  ونذكر منه التالي:
(بناء على كتاب محافظ طرطوس رقم /485/س/10/11 تاريخ 6/4/2014. وعلى اقتراح وزير الصناعة.)
يقرر مايلي:
(المادة 1- ينقل السيد علي أحمد جوهرة العامل من الفئة الأولى لدى الشركة العامة لصناعة الأسمنت ومواد البناء، إلى المؤسسة العامة للأسمنت ومواد البناء كمدير عام للمؤسسة المذكورة ).

الإصرار على وجود مستثمر.. لماذا؟

مدير معمل أسمنت طرطوس السابق المقال بقرار حكومي وباقتراح من وزارة الصناعة نظراً لمخالفاته، هو حالياً مدير المؤسسة العامة للأسمنت السوري  بقرار من رئاسة مجلس الوزراء وباقتراح لوزارة الصناعة، كما توضح صور القرارات الرسمية الموقعة. هذا المدير المقال والمعين، تقع عليه مسؤولية كبيرة في أداء مجموعة (فرعون للاستثمار) التي استثمرت وفق عقود الشراكة معمل أسمنت طرطوس، وكانت النتائج التالية التي لخصناها في عدد قاسيون رقم 660 بمادة بعنوان: تجارب (مرّة) للشراكة.. بمناسبة اقتراب (مولدها القانوني!).

(قرر أصحاب القرار أن معمل أسمنت طرطوس يحتاج إلى مستثمر خاص ليرفع كفاءته وإنتاجيته ويأخذ حصة من أرباحه، ووقع الاختيار على مجموعة (فرعون) الاستثمارية، وبعد مرور نصف مدة العقد كانت النتائج التالية: لم ترتفع الإنتاجية رغم انقضاء نصف مدة العقد، ودون أن تتخذ إدارة المعمل أو المؤسسة الإجراءات الاحترازية المفترضة بحق «فرعون» في الوقت المناسب، كالحجز الاحتياطي على حصتها من الأسمنت، أو توجه انذاراً إليها، كما أن للمعمل مستحقات مالية على شركة فرعون بقيمة 528 مليون ل.س لم تسعَ الإدارة للمطالبة بها، ولم تتذكرها إلا بعد فوات الأوان، فالمستثمر توقف عن العمل، ومن الصعوبة استرجاع تلك المستحقات حالياً، والأسوأ من كل ذلك، أن المعمل سيبقى على حالته الراهنة دون تطوير إلى أن تقرر شركة فرعون العودة، فالمعمل ملزم بـ«فرعون» رغم توقفها، والعقد لا يسمح بتطوير المعمل بالجهود الذاتية أو عبر أي طرف أخر..) يضاف إلى ذلك دلالات على مستوى الإهمال الذي أدى إلى تسربات للفيول إلى البحر وما نجم عنه من تلوث بيئي. وذلك وفق ما عرضناه من مجموعة ملفات ومعطيات وصلت (لقاسيون) من معمل الأسمنت ونشرناها في سلسلة من الملفات في الأعداد 600-602-614، تثبت فساد الشركة والإدارات وفشل الشراكة بالوصول إلى نتائجها وانحياز العقد للمستثمر، وعدم القدرة على تطوير الإنتاج ومتابعته)

ديون وإنتاجية ضعيفة

كثيرة هي التقييمات الفنية لعقد شركة فرعون مع معمل أسمنت طرطوس، والتي نشر جزء منها في قاسيون، ونشرت في مواقع أخرى، ونورد أهمها،  تشير معلومات بأن للدولة ديوناً على مجموعة فرعون بلغت أكثر من 800 مليون ليرة سورية وفق الدراسة التي توصّلت إليها لجنة مشكّلة حكومياً بعضوية مجموعة من المهندسين والقانونيين والفنيين وممثل عن نقابة العمال وممثلين آخرين بالقرار رقم 1960 تاريخ 16/10/2011 والقرار رقم 2015 تاريخ 20/10/2011..
كما أن شركة أسمنت طرطوس حققت أرقاماً إنتاجية أعلى بكثير مما حققه المستثمر إذ كانت في العام 1998 كمية  إنتاج (كلينكر) تقدّر بحوالي 1377648 طناً وفي العام 1999 بلغت الكمية 1404522 وفي العام 2000:   1404638 طناً وهذه الكميات لم يحققها المستثمر بعد ثلاث سنوات من الاستثمار !

عودة قوية لـ (فرعون)!

ذكرت الصحف المحلية بتاريخ 13-8-2014 : (تم توقيع عقد مع شركة فرعون لتطوير معمل أسمنت طرطوس يشمل تطوير الإنتاج وتسويقه وتقييم نسب التلوث الناجمة، إضافة لتطوير معمل أسمنت عدرا القديم لمضاعفة الإنتاج وتسويقه أيضاً بعد أخذ الموافقات اللازمة من جانب مجلس الوزراء.) وأضافت صحيفة الوطن المحلية (أن شركة فرعون تنوي إقامة معمل جديد للأسمنت في عدرا إلى جانب معمل أسمنت عدرا الحالي باستطاعة مليوني طن أسمنت على نظام الـ«BOT» وهناك إجراءات حيال ذلك لإتمام العقود اللازمة.).
بينما أشارت وكالات رسمية بأن معمل الأسمنت الجديد في منطقة عدرا سيتم بعقد قيمته 300 مليون يورو.
وذلك دون أن تجد أي من الجهات المسؤولة نفسها مضطرة، لتوضيح كيف تعاد مجموعة مستثمرة قامت بهذا الحجم من المخالفات إلى إدارة معامل الأسمنت الوطنية.

أسئلة برسم المسؤولين

• ما الذي يبرر عدم محاسبة المدير المخالف باعتراف الحكومة وقراراتها الرسمية؟.
• ما الذي يبرر تكليف المدير المخالف عوضاً عن إدارة معمل من معامل الأسمنت في سورية، بإدارة المؤسسة العامة للأسمنت المسؤولة عن كافة معامل الأسمنت السورية، والقائمة على إدارة شؤونها؟.
• ما الذي يغير رأي وزير الصناعة من مطالبته بإقالة المدير المذكور، وصولاً إلى اقتراحه لإدارة المؤسسة المسؤولة عن المعمل؟!، ومن يتحمل مسؤولية هذه التقلبات؟.
• إذا كان المدير المقال والمعين بموقع مسؤولية أعلى، قد تمت تبرئته من المخالفات التي حملته مسؤوليتها وزارة الصناعة، فمن المسؤول عن المخالفات ولماذا لم تتم محاسبة أحد في معمل الأسمنت.
• ماذا عن تقييم عمل هذه الإدارة مع مجموعة فرعون في أسمنت طرطوس، وهل يمكن أن تقدم الحكومة الأسس التي وجدت أن كلاً من مجموعة فرعون الاستثمارية، ومدير معمل أسمنت طرطوس السابق يستحقان المكافأة حيث سلمت الأولى استثمار وتطوير معمل أسمنت طرطوس، وعدرا، وإنشاء معمل جديد بالشراكة مع الدولة في عدرا أيضاً. وسلم الثاني إدارة أسمنت سورية بمجمله!.
• كيف يمنح مستثمر وحيد مجرّب مسبقاً وأثبتت التجربة عدم كفاءته، حق التحكم بالأسمنت السوري ومشاركة الدولة في إدارة وإنتاج وأرباح قطاع الأسمنت بسورية بأكمله؟!.

النزاع الحقيقي بين منتجين وطفيليين

يظن البعض أن تجاهل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي يمكن أن يغطي حقائق المستوى العالي من الإهمال والهدر الناجم عن الفساد المتفاقم في ظروف الفوضى الحالية. معتقدين بأن عدم الرد الحكومي على التساؤلات المشروعة والمبررة حول معلومات عن هدر المال العام، سيترك المخالفات والمفارقات الصارخة (لتموت مع الزمن). إلا أن من يرى الفساد يومياً ويحتك معه، لا بد أن يجد طريقه للكشف عنه وتحويله إلى قضية مطروحة ومفضوحة، في سعي إلى مزيد من الضغط الذي سيثمر في الوقت المناسب. حين تتأمن ظروف تطور المبادرات والضغط، التي لن يستطيع أحد تجاهلها.
إلى ذلك الحين فإن النزاع المحق بين العاملين والفاسدين، أي بين المنتجين والطفيليين في سورية، سيستمر. فالعمال من أصحاب الأجر بمختلف مواقعهم ومستوياتهم ومهماتهم، والمهتمون بالحفاظ على المال العام والمنشآت الهامة، لن يكون لديهم سبيل سوى خلق وتطوير المبادرات، لأنهم يستشعرون بأن مصدر رزقهم واستمرارهم  مهدد من الطرف الآخر وهو قوى الفساد والكبرى تحديداً في جهاز الدولة وخارجه. هؤلاء الذين  سيسعون للاستمرار بالهدر وأهم فصولها الحالية، مشاركة مال المستثمرين في إدارة واستثمار مرافق ومنشآت الدولة الهامة،  وهي أهم بوابات النهب في المرحلة القادمة..