من يعلم السرقة: (المال السايب).. أم الحق المسلوب!
تقول الحكومة في آخر ديباجات إقناع من يردد وراءها لتبرير الإسراع بإقرار قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص: (لا نستطيع أن نرفض يد المساعدة التي تمد لنا!)، وتقول ديباجات أخرى (أن القطاع العام أثبت فشله في الإدارة) ويكرر الكثيرون أن الواقعية ضرورية في أزمات من هذا النوع، ويجب تقبل حصول المستثمرين على أكبر الأرباح مقابل الاستفادة من خبراتهم!
وكل ذلك بهدف الإيحاء غير المقنع، بكلية عدم قدرة الدولة عن طريق تعبئة الموارد الداخلية وإدارة وطنية للموارد الخارجية، على تأهيل مشاريع الطاقة الكهربائية، وإنتاج وتوزيع المشتقات النفطية، والسكك الحديدية، والمطارات والمرافئ وغيرها الكثير من المرافق العامة التي ستسلم إدارتها للقطاع الخاص كشريك في الربح من الموارد العامة! بناء على ما يسمح به قانون الشر اكة المقر حديثاً.
ولى زمن المصلحة العامة!
إلى ما قبل إقرار قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص بتاريخ 1-7-2014، كانت عملية إدارة وتطوير هذه القطاعات لا تزال عملاً حصرياً للحكومة، باعتبارها مرافق سيادية ودستورياً هي ملك للشعب السوري بأكمله عن طريق إدارة جهاز الدولة له. على الرغم من أن تأمين مستلزمات تشغيل وتطوير الدولة لهذه القطاعات كانت تتم من خلال القطاع الخاص بطريقة المناقصات والعقود، وذلك كان أحد أهم أهم بوابات الفساد.
أما مشروع القانون، المقر في رئاسة مجلس الوزراء، فيقول للمستثمرين الخاصين ليس لدينا أي قيد أو شرط، معلنا بشكل غير مباشر أن: (ولى زمن تقييد المشاريع بالمصالح العامة) كإلزام المستثمرين باستثمار نسب من أرباحهم أو تقييد إخراج الأموال، أو حصر قطاعات سيادية بإدارة الدولة، أو تحديد سقف زمني لعقود الشراكة أو.. أو .. إلخ
(طبيعة) الملكية العامة عائق!
(الواقعيون) يستنتجون أن القطاع الخاص قادر بطبيعته على الإدارة الأفضل وتحسين الجودة والكفاءة، بينما طبيعة الملكية العامة تؤدي للهدر والفساد لأن : (المال السايب يعلم السرقة)! كما يقال. عل هؤلاء (الواقعيين) يستخدمون بعضاً من هذه الأرقام:
المرحلة من عام 1970-1980 شهدت هيمنة القطاع العام على النشاط الاقتصادي. وعلى الرغم من أن الاعتماد الرئيسي كان على الموارد المتدفقة على سورية، كريع سياسي، إلا أن عملية إدارة هذه الاموال تمت حصراً عن طريق جهاز الدولة، حيث امتلك القطاع العام في عام 1970: 70% من تكوين رأس المال الثابت أي (المنشآت الاقتصادية والمرافق العامة وأدوات الإنتاج المختلفة)، وبلغت معدلات النمو الوسطية 10,5% وهو وسطي معدل النمو الاقتصادي السريع الذي تم تحقيقه من خلال قفزة البرامج الاستثمارية الضخمة التي قامت بها الدولة من خلال الخطتين الخمسيتين الثالثة (1971-1975) والرابعة (1976-1980). وفق ما ورد في الفصل الأول من مشروع سورية 2025. حيث ذكر د. مطانيوس حبيب في البحث نفسه أن (الدور التدخلي الإنتاجي المباشر للدولة قد أدى إلى رفع متوسط معدل النمو السنوي من (2.6%) في فترة (1946- 1963) إلى (5.2%) في فترة (1963-1980)).
أما المرحلة التي تدفقت فيها الموارد الخارجية على شكل استثمارات أجنبية (خليجية بحجم كبير) على سورية وتحديداً بعد سياسات الانفتاح الاقتصادي في الألفية الثالثة، فقد أدت إلى ارتفاع التدفق الاستثماري بنسبة 122% بين أعوام 2006-2010 ولكنها حققت نمواً وسطياً 3% فقط.
(المافيوزية) اختراق الخاص
للمصلحة العامة!
لا نريد أن نشيد على الإطلاق بالمرحلة من (1970-1980)، فتلك المرحلة تعتبر نواة تكوين قوى الفساد الكبرى داخل جهاز الدولة، وخارجه، حتى أن تقديرات جهات سياسية وطنية أشارت إلى أن (التقدم الاجتماعي قد توقف في سورية) منذ عام 1976 تقريباً. بينما أكدت دراسات سورية 2025 أن تلك المرحلة هي التي كونت البرجوازية البيروقراطية السورية ذات النفوذ الكبير إلى اليوم، وشكلت تحالفاتها مع رجال الأعمال الجدد، ومع أقوياء السوق والقطاع الخاص، حيث يذكر التقرير أن تلك المرحلة شهدت نشوء (علاقات شبكات الفساد البنيوي أو الفساد الكبير المتمفصلة مابين أقوياء القطاع البيروقراطي والقطاع الخاص، والتي تتميز نمطياً بما يمكن تسميته بـ«المافيوزية».)
والمقصود من المقارنة هو إثبات أن الإدارة المشوهة وغير المضبوطة لعمليات الاستثمار من قبل جهاز الدولة في تلك المرحلة وتوجيهها نحو القطاعات الإنتاجية كانت كافية على الرغم من الهدر الكبير الذي اتسمت به تلك المرحلة، لأن توصل معدلات النمو الوسطية إلى 10,5%، بينما بقي وسطي النمو 3% في المرحلة الليبرالية الأخيرة عندما تم الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية لتدير عمليات الاستثمار وفق ما تمليه هي، مع تحويل جهاز الدولة إلى مجرد مشرف منسق يقدم الإعفاءات والتسهيلات، ويأخذ متنفذوه (البراطيل) والنسب.
أي أن الإدارة العامة الموجهة للموارد والاستثمار قادرة على إنتاج نمو اعلى، حتى في واحدة من اكثر أشكالها فساداً وهيمنة، والإدارة الخاصة للمرافق العامة ستنهي المصلحة العامة والخدمات العامة كمحدد لأي عملية إنتاجية.
الحق المسلوب.. هو الحلقة الناقصة
ما وصل إليه الاقتصاد السوري من حجم كبير للفساد وتراجع في القدرة على النمو والتنمية، لا يتعلق بالملكية العامة للموارد التي يديرها جهاز الدولة، وإنما بمن يهيمن على قرار جهاز الدولة: المصالح الخاصة للمتنفذين في القطاع العام والقطاع الخاص، أم المصالح العامة للسوريين أصحاب الحق والمصلحة في إدارة عامة وفق المصلحة العامة لمرافقهم.
ما نشهده اليوم من تسليم القطاع الخاص والمستثمرين الإقليميين والدوليين والمحليين راية تأهيل وإعمار ما دمرته الحرب، ناجم بشكل رئيسي عن سلب أصحاب المصلحة الخاصة- وهم من يهيمنون على قرار جهاز الدولة - وشركاؤهم في السوق ومن راكمو الثروات من ذلك- حق السوريين في حماية المصلحة العامة، من الفساد والسوق والمتنفذين. وهنا يكمن جوهر فشل أي مشروع للتنمية والنمو في سورية.، ويكمن جوهر الحل.