(النقمة) متزايدة.. في أسبوع المفارقات الحكومية الأكبر!
رفعت الحكومة سعر البنزين كما يعلم ويتكلم الجميع، والملفت أن سلسلة من الأفعال وردود الفعل تتكرر، حيث يبدأ التصعيد الحكومي بمستوى عال من اللامبالاة بالتناقض والانحياز الذي يظهره سلوكها المحكوم وفق منطق أكثر الحكومات الليبرالية تشدداً، ويعقبه رد فعل شعبي - ممن تبقى من الشعب السوري على احتكاك في أموره المعيشية والحياتية مع سياسات الحكومة – عالي الاستياء ليس بسبب الأثر المعاشي والاقتصادي المباشر للسياسة الصادرة، أو إلى مزيد من فقدان الثقة فقط!
بل إلى شعور أغلب السوريين بالعجز أمام السلب المستمر لكرامتهم ولقدرتهم على الفعل والتحكم في ظل فوضى العنف والحرب، واستغلالها بأبشع الصور من خلال استمرار وتثبيت سياسات اقتصادية يعلم الجميع بشكل مباشر أو غير مباشر أنها (عماد) الحرب الحالية وأداتها المثلى، ويهابون نتائج استمرارها التي ستؤدي إلى إعادة إنتاج الأزمة ومستَغِليها!
لم تبق سلسلة التصعيد الحكومي قبل الأزمة وخلالها أي أثر هام يضاف على التردي الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه السوريون، فيكفي كمؤشر أن يكون متوسط دخل الأسرة السورية 20 ألف ل.س، ومتوسط حاجات الاستهلاك الرئيسي أكثر من 90 ألف ل.س، وأن أكثر من 80% من السوريين هم أغلب أصحاب الأجور وأصحاب الأعمال الصغيرة قد دخلوا في دائرة الفقر، وأن 2,5 مليون من أطفال هؤلاء خارج المدارس وفي أسواق العمل، وهم يشكلون بشكل تقريبي نصف تلاميذ سورية في عمر الدراسة الإلزامية! وأن ثلث السكان خارج مدنهم تاركين وراءهم (جنى العمر) رهن الفوضى والدمار!.
الحكومة رفعت سعر البنزين لتأخذ من جيوب السوريين حوالي 16 مليار ل.س إضافية، بذريعة التكاليف الكبرى التي يعتبر ارتفاع سعر الصرف أساسها، وقدمت في الأسبوع ذاته 20 مليون دولار مباشرة لرافعي سعر الصرف، وقدمت لهم قراراً يتيح أن يحصلوا خلال عام على مبالغ بين 300-600 مليون دولار!! وستقدم دولارات للمساهمين في رفع الأسعار عموماً وسعر الصرف تحديداً بما يتجاوز 1,8 مليار دولار خلال عام قادم!
لذلك فإن الأثر الاقتصادي المباشر لرفع سعر البنزين وقبله المازوت وغيرها ليس السبب المباشر لحالة الاستياء العام التي ترافق هذه القرارات عموماً وقرار الرفع الأخير مثالاً، بل يفاقم النقمة، مستوى المفارقة الناجمة عن تزامن تصعيد السياسات الليبرالية ضد (الضعفاء اقتصادياً)، مع تراخ كبير -قريب إلى (التمسّح)- مع أقوياء الاقتصاد السوري ممن يستمد من قوتهم الاقتصادية من مصادر (الفساد الشرعي) المتمثل بتحقيق أعلى الأرباح لأقل عدد من الأشخاص عن طريق الإفقار العام!، أو الفساد غير الشرعي بمستوياته العديدة، والتي آخرها وأكثرها شيوعاً الاستفادة من الموت والحرب في سورية اليوم.