غياب الاهتمام الحكومي بالخطوط الحديدية أحدث خللاً بنيوياً بمنظومة النقل السورية
لم يكن استخدام السكك الحديدية بالطارئ في شبكة النقل السورية، بل هو أول وسائط النقل الآلية التي دخلت البلاد في أواخر القرن التاسع عشر، كما أن السفر بالقطارات ظل الأرخص من أي وسيلة نقل مقارنة مع الوسائط الأخرى (الباصات، والبولمانات، والطائرات)، وعلى الرغم من أهميته، إلا أنه لم يجر تطوير الجزء الأكبر من الخطوط الحديدية، وبقيت هذه الوسيلة خارج الاهتمام الجدي من جانب الحكومة، فالكثير من المحافظات لا تمتلك شبكات من السكك الحديدية تصل بينها، وإذا توفرت، فإنها لن تتعدى كونها موروث القرن التاسع عشر، والذي أدخل عليه بعض التعديلات، وذلك على الرغم من المسافات الشاسعة التي تفصل بين المحافظات السورية، والتي تفترض وجود مثل تلك الشبكات والخطوط الحديدية..
إهمال متراكم
عملية الإهمال المتراكم لقطاع السكك الحديدية، ظهر من خلال تدني حصة مؤسسة الخطوط الحديدية من النقل الداخلي والدولي للبضائع الإجمالي في البلاد، حيث إن إستراتيجية المؤسسة العامة للخطوط الحديدية تهدف إلى زيادة حصتها من النقل الداخلي والدولي للبضائع إلى 20 بالمئة من إجمالي حجوم النقل المتوقعة لعام 2015، وزيادة حجم نقل الركاب ليصل إلى 12 من إجمالي حجوم النقل المتوقعة لعام 2015، وذلك خلال الخطة الخمسية الحادية عشرة، وهذا يعني أن الحصة الحالية هي أقل من ذلك بكثير، وعلى الرغم من هذا التدني، فقد حققت المؤسسة أرباحاً صافية تقدر بنحو 1.078 مليار ليرة في عام 2009، واستقطبت خدمات الخطوط الحديدية السورية ما يقارب 3.7 مليون راكب في العام ذاته، وتحقق كل ذلك على الرغم من تدني حصة المؤسسة من إجمالي عمليات النقل في البلاد، وعجزها عن استقطاب الشرائح الأوسع، لضعف انتشار شبكاتها على الأراضي السورية، وبطء القطارات الذي يجمع عليه رواد التنقل بالقطارات، فالرحلة من دمشق إلى حلب عبر القطار تستمر لنحو 4.5 ساعة، بينما إذا ما جرى تطوير شبكة القطارات، واستخدام الأسرع منها، فإن المدة الزمنية لهذه الرحلات لن تتجاوز الساعتين فقط، وخاصة أن سرعة القطارات في الصين تتجاوز 350 كيلو متر في الساعة على سبيل المثال، أي أن تلك القطارات ستقطع المسافة بين دمشق وحلب والبالغة 400 كيلو متر بنحو 1.25 ساعة، وهذا يجعل من السرعة الحالية لقطاراتنا غير مجدية من الناحية الزمنية، بالإضافة إلى كونها تهدر أوقات المسافرين الذين يلجؤون إلى وسائل النقل الأسرع والأكثر أماناً، والتي يوفرها النقل بالخطوط الحديدية...
تطور بنسبة %1.7
رغم كل الأحاديث الحكومية والميزانيات التي رصدتها الخطة الخمسية العاشرة وما سبقها من خطط خمسية، إلا أن أطوال السكك الحديدية وعدد الخطوط لم يلحظ تغيراً كبيراً، حيث لم تجرِ إضافة أي خط للسكك الحديدية في البلاد أو زيادة أطوال الخطوط القائمة منذ عام 2004، على الرغم من مرور خطتين خمسيتين متعاقبتين رصد خلالها مليارات الليرات السورية نظرياً لتطوير الخطوط الحديدية، فجموع أطوال تلك الخطوط في عام 1998 لم يتعد 2786 كيلو متر، بينما وصل إلى 2833 كيلو متر في عام 2010، بزيادة 47 كيلو متر فقط على مساحة البلاد، وبنسبة تطور لا تتجاوز %1.7 خلال 12 عام، وقد تمت هذه الزيادة الإجمالية من خلال إضافة خط سرغايا - الحدود اللبنانية الضيق بطول 7 كيلو متر في عام 2001، وخط دير الزور - الطابية العادي بطول 30 كيلو متر في عام 2004، وزيادة طول خط اللاذقية - حلب - القامشلي بنحو 7 كيلو متر في عام 2004 ليصل طوله إلى 1044 كيلو متر، ففي سورية حالياً 11 خطاً عادياً للسكك الحديدية، و8 خطوط ضيقة فقط، فغياب التطور في شبكة النقل الحديدية، أحدث خللاً بنيوياً بمنظومة النقل السورية، وهذا ما أثبتته الأزمة الحالية، حيث أدى غياب الوسائل البديلة للنقل البري بعد قطع العديد من الطرقات الاتوسترادات الرئيسية، وهذا ما أحدث جملة من الأزمات في وجه تأمين بعض المحافظات والمدن بالسلع والمواد الغذائية الأساسية، ولو كانت السكك الحديدية جاهزة كبديل لنقل البضائع والمواد وحتى الأشخاص لوفرنا على السوريين عناء عدد من الأزمات الناشئة في الماضي القريب، والذي يضاف إلى سهولة حماية تلك الخطوط الحديدية مقارنة بالطرق البرية..