الجذب السكاني بين المغناطيس التنموي والمغناطيس الأمني
وجدي وهبي وجدي وهبي

الجذب السكاني بين المغناطيس التنموي والمغناطيس الأمني

تشير التقديرات إلى أن عدد سكان دمشق في عام 2013 قد تزايد بنسبة 60%، بينما اقتربت الزيادة في عدد سكان محافظة طرطوس إلى الضعف، تبقى هذه المعلومات تقديرية إلا أنها قريبة من الواقع ومنطلقة من حقيقة وجود حوالي 5 ملايين سوري، أي حوالي ربع سكان سورية  تركوا محافظاتهم في المناطق المتوترة وانتقلوا إلى المناطق الآمنة نسبياً في المحافظة ذاتها في بعض الحالات كما في حلب أو إلى محافظات أخرى بالحالات الغالبة، وفي كلا الحالتين فإن مراكز المدن قد شهدت زيادات سكانية كبرى، وأدى الظرف الاستثنائي للأزمة إلى حدوث تغيرات سكانية بظرف ثلاث سنوات كانت تحتاج سابقاً عقوداً لتحدث!

تفاقم هذه الظاهرة من الخلل السابق في التوزع السكاني في سورية بين الأقاليم، حيث يتركز النشاط الاقتصادي والتشغيل في محافظات محددة، بينما تبقى أغلب المحافظات الأخرى تصدر شبابها وقواها العاملة، وفي مرحلة لاحقة أصبحت تصدر كل شرائحها إلى "حواف" المدن الكبرى، مع تراجع كبير في إمكانيات التشغيل والعمل.. 

فكيف كان التوزع السكاني في سورية قبل الأزمة بين مناطق التنمية الرئيسية، وما اتجاهات وتقديرات تغيراته..؟

التنمية = الاستقرار الأمني

تركزت بوصلة المغناطيس السكاني خلال العقود الماضية في المناطق التنموية الأولى, دمشق, ريف دمشق, حلب, ثم انتقلت البوصلة للتوجه حالياً إلى المناطق ذات الاستقرار الأمني, حيث شهدت المناطق الآمنة موجات كبيرة من النزوح الداخلي بلغت 5 ملايين نازح نزحوا من المناطق الساخنة إلى المناطق الأكثر أمناً.

التنمية مغناطيس الجذب السكاني

أدى الاختلال التنموي الاقليمي في سورية إلى اختلال تركز السكان والكثافة السكانية والنشاط الاقتصادي  بين المحافظات السورية قبل الأزمة، ويعود سبب ذلك إلى غياب سياسة تنموية إقليمية وغياب تخطيط وتحكم لتوزيع الاستثمارات بشكل متوازن وتنموي، حيث بلغ نصيب محافظة دمشق وريف دمشق وحلب 62,3% من إجمالي المشاريع الاستثمارية المشملة بقانون الاستثمار رقم 10 لعام 1990, وأدى هذا الاختلال في «توزيع التنمية» وتوزيع الاستثمارات إلى خلق عوامل جذب تنموي في المحافظات التنموية الأولى, وعوامل طرد تنموي في المحافظات الأخرى, أدى بدوره إلى ازدياد عملية «التمدين» تحت تأثير الهجرة الداخلية من الريف الى المدينة ومن المحافظات الصغيرة إلى المحافظات الكبيرة, حيث ارتفعت نسبة سكان المدن من 43.5% عام 1970 الى 53.5% عام 2009 – المكتب المركزي للاحصاء, -  نتيجة الهجرة الداخلية وليس نتيجة النمو الطبيعي لسكان المدن. 

فهذا الاختلال التنموي خلق بدوره اختلالاً في توزيع الكثافة السكانية, ويظهر ذلك جلياً من مقارنة المناطق التنموية الأولى والمناطق المتأكلة تنموياً: 

يظهر لنا الجدول الأول أن نسبة السكان في المناطق التنموية الأولى 44% من سكان سورية بينما تبلغ نسبة مساحتها المعمورة من مساحتها الفعلية 8% مما يدل على التركز السكاني وانجذاب السكان نحو المناطق الأكثر تنمية, ومعامل الاكتظاظ النسبي في  مدينة دمشق 12.5% هو الأعلى على مستوى جميع المحافظات السورية حيث انعكس الجذب التنموي سلبا على المحافظات التنموية بسبب الاكتظاظ السكاني الناجم عن هذا الجذب, بينما يظهر الجدول الثاني فرق الكثافة السكانية المخيف في مناطق العمران بين المناطق التنموية الأولى والمناطق المتآكلة تنموياً قبل الأزمة.

الآن: الاستقرار الأمني

مغناطيس الجذب السكاني

أظهر الجذب الأمني خلال الأزمة الحالية أنه لا يقل أهمية عن الجذب التنموي,بل أحدث بطبيعة الحال تغيرات كبرى تحتاج في الحالات العادية إلى عقود لتحدث، حيث ترافق انخفاض مستوى الامان في عدد كبير من المحافظات السورية, مع ازدياد عدد الساكنين في المناطق الآمنة بمقدار 5 ملايين فرد – هم أعداد النازحين- ,أي بلغ معدل النمو المديني – نمو سكان المدينة-  خلال ثلاث سنوات الأزمة 25%, في حين بلغ  معدل النمو المديني قبل الأزمة 0.35%  سنوياً من 1995 الى 2005 – مشروع سورية 2025- أي أسرع منه بمقدار 23 ضعفاً.

وإذا قارنا الكثافة السكانية المعمورة قبل الأزمة وخلالها لتبين مقدار انجذاب السكان نحو المناطق الامنة, فقد بلغت الكثافة السكانية المعمورة قبل الأزمة (273 نسمة/ كم2) – مشروع سورية 2025- في حين بلغت الكثافة السكانية المعمورة حالياً (327 نسمة/ كم2) – تقدير  حسابي أولي تقريبي, مبني على أساس إضافة النازحين داخلياً إلى المناطق الآمنة-  أي ارتفعت الكثافة  السكانية المعمورة بمقدار 20% ومن هنا يظهر لنا أهمية الاستقرار  الأمني وإيقاف الحرب الدائرة في سورية كمطلب ضروري وملح وجاذب تنمويا واقتصادياً وسياسياً ومعيشياً لجميع الشعب السوري.