بيانات الجمارك تكشف المستور من أرباح التجار المستوردين!
لم يكن صعود نجم «تجار الأزمات» وليد الحالة الراهنة التي تعيشها البلاد كما يسوق البعض، بل إن الإمعان في الاستغلال إلى الحد الأقصى، هو من أعادهم إلى واجهة صفحات الجرائد وشاشات الإعلام، فهم ليسوا بالظاهرة الاستثنائية على الساحة الاقتصادية، بل إن حضورهم كان نتيجة طبيعية لضعف الرقابة المتردية أساساً، وغياب الدور الاقتصادي الفاعل للدولة
فليس لتجار الأزمات وجود فاعل لو لم تتخلّ الدولة عن دورها الجدي في الحياة الاقتصادية، عبر استمرارها في لعب الدور المحوري إن لم نقل الاحتكاري في استيراد السلع وتوزيعها، وهو ما بدأت بالتخلي عنه منذ عقدين من الزمن، فالقصة لا تتوقف على احتكار سلعة بالأسلوب الصريح ذاته كما هي الحال الآن، بل ببيع هذه السلعة بما يرضي تعطش التجار لزيادة أرباحهم كما كان يجري في سنوات الاستقرار الماضية دون أي رقيب..
43 ل.س سعر كيلو الرز المستورد
لا يكف المستوردون والأوساط التجارية عن اتخاذ ارتفاع الدولار في السوق السوداء ذريعة لرفع أسعارهم، وكان آخرها ما أفصح عنه عماد الأصيل معاون وزير التجارة الداخلية، من أن «مستوردي السكر والأرز يتذرعون بأنهم يحصلون على القطع الأجنبي عبر طرقهم الخاصة (أي بأسعار عالية كما السوق السوداء)، ولذلك فإنهم يقومون بتحديد أسعار مرتفعة»، فلن ندعي بعكس ما قاله التجار، بل سنستند لقيمة ووزن السلع المستوردة في عام 2012 التي أعلنت عنها المديرية العامة للجمارك منذ أسابيع..
فقد أوضحت بيانات «للمديرية العامة للجمارك، أنه تم استيراد 466 مليون كيلو غرام سكر أبيض مكرر بقيمة إجمالية وصلت إلى 20.4 مليار ل.س، وبهذا نصل إلى أن سعر الكيلو الواحد من السكر يجب أن يصل للمستهلك بين 54.8 ل.س و56.12 ل.س بالحد الأعلى، بينما لسان حال الأسواق ينطق بغير ذلك..
- سعر الكيلو المستورد الواحد نحو 43.77 ل.س
- 15% نفقات وتكاليف إضافية، والتي تعادل 6.65 ل.س
- هامش ربح لتجار الجملة والمفرق معاً (بين 10 الى 13% وفق القانون) وهي بحدود 4.37 ل.س - 5.7 ل.س، وهذا بمجموعه يعني أن سعر كيلو السكر يجب أن لا يتجاوز الـ 56 ل.س في الأسواق..
للأرز نصيبه أيضاً
كما أن بيانات استيراد الأرز تكشف هي الآخرى حجم التسيب الذي تعيشه الأسواق في هذه الأيام، حيث تبين البيانات الجمركية لعام 2012 استيراد 163 مليون كيلو غرام من الأرز بقيمة إجمالية تصل إلى 8 مليارات ل.س، وذلك، فإن الأرز يجب أن يصل إلى المستهلك النهائي بسعر يتراوح بين 61.25 ل.س و62.72 ل.س للكيلو الواحد..
- سعر كيلو الأرز المستورد نحو 49 ل.س
- نفقات وتكاليف إضافية بنسبة 15%، وهي تعادل 7.35 ل.س
- هامش ربح لتاجر الجملة والمفرق يتراوح بين 10 الى 13% وهو ما يتراوح بين 4.9 ل.س – 6.37 ل.س، أي أنه من المفترض أن يصل كيلو الأرز إلى المستهلك بين 61.25 ل.س و62.72 ل.س..
«التأشيرية» ضاعفت الأرباح 2.5 مرة
لم تنصف النشرة التأشيرية سوى التجار، فقد حددت النشرة التأشيرية العشرون، والصادرة في شهر كانون الأول من عام 2012، سعر مبيع كل 1 كغ من السكر دوكما بين 70 الى 75 ليرة، بينما حددت النشرة التأشيرية الثانية، في مطلع شهر نيسان من العام ذاته، سعر الكيلو غرام من السكر بين 60 و65 ليرة، أي أن المتوسط التقريبي لبيع كيلو الواحد من السكر وفق أسعار النشرة التأشيرية بحدود 67.5 ل.س، وبهذا يكون الفارق في الأسعار بين النشرة التأشيرية التي أصدرتها وزارة الاقتصاد في البداية، لتكمل بعدها وزارة التجارة الداخلية الطريق، وبين تكاليف استيراد كل كغ من السكر مضافاً إليه هامش أرباح التجار والنفقات، ما يتراوح بين 11.38 - 12.7 ل.س، وهذا يعني أن النشرة التأشيرية هي أول من شرعنت للتجار مضاعفة هامشهم بمقدار 2.5 ضعف مقارنة بالأرباح القانونية، إلا أن هذا «الدلال الزائد» لم يشجع التجار على التقيد بالنشرة بعد أن رفض أغلبهم الالتزام بها منذ بدايتها..
كما حددت النشرة التأشيرية العشرون في نهاية عام 2012 سعر 1 كغ من الرز القصير/دوكما/ بين 70 الى 75 ليرة، بينما حددت النشرة التأشيرية الثانية، بمطلع شهر نيسان من العام ذاته، سعر الكيلو غرام من الرز القصير بين 70 و75 ليرة، وبهذا يكون الفارق في الاسعار بين النشرة التأشيرية وبين تكاليف الاستيراد في كل كيلو كيلو واحد من الأرز بين 7.28 - 13.75 ل.س، وهذا يعني أن النشرة التأشيرية ضاعفت هامش ارباح التجار بمقدار الضعفين..
على ذمة الأسواق
لم يلتزم التجار بالنشرات التأشيرية، ولسان حال الأسواق في عام 2012 يؤشر لذلك بكل وضوح، فالكيلو الواحد من الأرز والسكر كان يباع بحدود 90 ل.س في فترات متقطعة من عام 2012، في الوقت الذي كان يحدد في النشرات التأشيرية بنحو 70 ل.س، وهذا يعني أن أرباح التجار زادت بمقدار ثلاثة أضعاف أيضاً على كل كيلو غرام واحد من السكر أو الأرز، لتصل الأرباح غير الشرعية للتجار إلى خمسة أضعاف تقريباً، لتعادل أرباحهم نحو 60% من تكلفة استيراد الكيلو الواحد من هاتين المادتين بدلاً من 12% كحد وسطي..