الشركات الصناعية العامة مخسرة.. والشاهد تناقض تجربتي ألبان دمشق وحمص! ألا يجب مساءلة وزير الصناعة الذي بقي لسنوات عديدة في موقعه عن إنـجازاته؟!
إلى اليوم لم نستطع الإجابة على سؤال بالغ الأهمية، ولم تطرحه الصحافة المحلية من قبل، لم لا تتم مساءلة الوزراء الذين يتربعون سنوات طويلة في مواقعهم وعلى عروش وزاراتهم؟! ألا يجب أن تتم مساءلته وزير الصناعة الذي بقي لسنوات عديدة عن إنجازاته التي حققها في وزارته؟!
كما أنه لا بد من التساؤل: ألا يجب أن تتم مساءلة وزير المالية الذي بقي وزيراً لسنوات عديدة؟! ألا يجب مساءلة جميع الوزراء في السنوات العشر الماضية تحديداً، وجميع هؤلاء هم مسؤولون عن ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد!...
مساءلة الحلقة الوسطى أيضاً
مدراء المؤسسات الصناعية، هذه المؤسسات التي تضم الموظفين والمهندسين والكوادر الفنية، وهم الحلقة الوسطى بين الشركات والوزارة، هم ساعي بريد يتلقون المذكرات والتقارير من الشركات ويرفعونها إلى الوزارة، يفاوضون على الاستيراد والتصدير، ويشكلون وفوداً إلى الخارج، والتي تشتري وتبيع دون معرفة بواقع الشركة الميداني واحتياجاتها، كما أن هناك أيضاً جهات وصائية أخرى كانت ولا تزال تتفرج على شركات صناعية كبرى تنهار عاماً بعد أخرى.
استغلال الطاقات وتذليل المعوقات
الآن يتحدثون عن دور وأهمية القطاع العام، على أنه المرتكز الحاسم للصناعة، على أن يتم التركيز على استغلال كامل الطاقات وتذليل كل المعوقات وتقديم كل الدعم لهذا القطاع، ولكن ما يجري في الواقع عكس ذلك تماماً، لأن الإصلاح يبدأ بدراسة كل شركة على حدة، مع إعطاء الأولوية لإصلاح إدارة القطاع العام، وتشغيل المعامل والأقسام المتوقفة عن العمل، وتأمين مستلزمات ذلك، وحصر الطاقات الموجودة ووضع برامج عملية لاستغلالها والبحث عن إمكانات إنتاج منتجات جديدة داخل المنشآت القائمة بإضافة خطوط جديدة.
تقارير حبيسة الدروج
قبل أعوام تم إحضار خبراء من إيران لدراسة أسباب الخسارة الكبيرة سنوياً في شركة الأسمدة، وبعد شهر من معاينة الشركة خرجوا بتقرير يقول «ضعف الإدارة والفساد العام هو السبب وراء الخسارة والخلل في الشركة»، وقد تم طي التقرير، فمن الذي يستطيع طي تلك التقارير ووضعها في الدروج؟! ولمصلحة من جرى ذلك؟! لكن السؤال الأهم: أين وزارة الصناعة ومؤسسة الأسمدة من ذلك كله؟!
غياب الجهات الرقابية
تخضع تلك الشركات والمنشآت العامة بموجب القوانين والأنظمة إلى كل من الأجهزة الرقابية التالية، وهي المؤسسة الصناعية النوعية، الجهاز المركزي للرقابة المالية، الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، بالإضافة إلى أكثر من عشر جهات أخرى تمارس دوراً رقابياً، وتتقصى المعلومات، وتحاول من خلال ذلك التأثير على سير العملية الإدارية، من خلال التقارير التي تعدها وترفعها إلى الجهات الوصائية العليا، بصرف النظر عن دقتها، والواقع يقول: إن هذا التدخل مرتبط بالعلاقات الشخصية، ومدى مقدرة الإدارة على تفهم ذلك ومسايرته، وقد انعكس هذا سلباً على قرارات الإدارة وجعلها تعتمد على مبدأ الفعل ورد الفعل، والسعي لإرضاء البعض، مما أدى إلى الانحراف عن مصلحة الشركة التي يقوم عليها عملها ونشاطها.
ألبان حمص
شركة الألبان حمص بقيت لسنوات طويلة تعاني من الخسارة، ولم تكن موادها الأولية مستوردة من هولندا أو سويسرا، وهي تملك خطوطاً إنتاجية لتعبئة الحليب وإنتاج الزبدة والسمنة، وخسارتها السنوية 60 مليون ليرة سورية، وبعد ان تم تغيير الإدارة، انتقلت الشركة مباشرة إلى الربح، وتجاوزت معدلات تنفيذ الخطة الإنتاجية والتسويقية بنسبة 100%، وأصبحت منتجات الشركة مطلوبة ومتواجدة في الأسواق، وهذا خير دليل على ان اغلب شركات القطاع العام، وتحديداً الصناعي منها ليست خاسرة بفعل عوامل واسباب موضوعية، وإنما هي مخسرة بفعل الفساد المستشري في تلك المؤسسات، كما أن إداراتها المتعاقبة تسعى تمرير مخطط خصخصتها بما ينسجم مع السياسات الحكومية من خلال عملية التخسير المتعمد!..
أما ألبان دمشق
أما شركة ألبان دمشق، فهي خاسرة منذ سنوات طويلة، وتقول المديرة المالية في المجلس الإنتاجي الأخير «أن تكاليف بعض الإنتاج أعلى من سعر المبيع»، أي أن البيع يتم بخسارة، وذلك نتيجة عدم تنفيذ الخطة الإنتاجية، حيث تنخفض التكاليف كلما زاد الإنتاج لأن جميع المصاريف ثابتة وتنعكس على الإنتاج، وتتابع المديرة: أن الديون تراكمت على الشركة لألبان حمص ولم تعد ألبان دمشق قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه الموردين للشركة أو شراء مستلزمات الإنتاج الذي انعكس سلباً على تنفيذ الخطة الإنتاجية واضطرار الشركة لشراء بعض المواد اللازمة لإدارة التعيينات وتجزئة الشراء لضرورات العمل، كما أشارت إلى ضرورة إرسال مندوب من ألبان حمص لإجراء التخفيف اللازم للكميات المستجرة من قبل إدارة التعيينات، واقترحت أن تتوقف الشركة عن تزويد مراكز الجيش التابعة لشركة ألبان حمص بحاجتها من المنتجات، بسبب الأوضاع الأمنية في حمص، وعدم استطاعة ألبان حمص تزويد الجيش بحاجته من الإنتاج، وتم الاتفاق أن تقوم ألبان دمشق بتزويد مراكز الجيش بحاجتهم من الإنتاج، واقترحت المديرة التوقف عن تزويد مراكز الجيش!.. أليس في ذلك مفارقة لا يمكن فهمها؟!
تناقض غير مفهوم
أمام هذا التناقض غير المفهوم، لا بد من سؤال الجهات الوصائية عن الشركتين السابقتين، كيف يمكن لشركتين تدخلان ضمن قطاع واحد، وتخضعان للواقعة والظروف نفسها، أن تكون واحدة منها رابحة والثانية خاسرة!. فهل درست كافة عناصر التكاليف في الشركتين دراسة عملية معيارية؟! وهل تمت معرفة أين يكمن تخفيض هذه التكاليف وتحقيق التخفيض؟! وهذه النقطة تقود مباشرة إلى الحد من الهدر في الوقت والمال والمواد والتجهيزات عبر وضع معايير ملزمة لنسب الهدر المقبولة، بحيث تتم المساءلة في حال تجاوز هذه النسب، كما تقود إلى العناية القصوى بالمواصفات والنوعية.
خطة طموحة
تبلغ الديون المتراكمة على شركة ألبان دمشق نحو 399 مليون ليرة سورية، كما أدى عدم وجود السيولة إلى ضعف إمكانية تأمين المواد الأولية للانتاج، وتطالب الشركة بما يقارب 62 مليون ليرة سورية لتأمين مستلزماتها لشهر واحد فقط، ولكن لم تجر الاستجابة لهذا الطلب، كما تستجر الشركة الحليب من مبقرة دير الزور، وأجرة النقلة الواحدة للصهريج 30 ألف ليرة سورية، وتضع الشركة خطة إنتاجية لعام 2013 للإنتاج حليب خام 10685 طناً، ونحو 4500 طن من حليب معقم، و250 طناً من اللبن الرائب، و800 طن من اللبن المصفى، و300 طن من الجبن العكاوي، و40 طناً من القشقوان، و100 طن من الجبنة المطبوخة، و400 طن من السمنة، و300 طن من الزبدة، وفي حال تم تنفيذ الشركة لهذه الخطة الإنتاجية، فإنها ستصل بالمحصلة إلى ارباح تقدر بنحو 1.7 مليون ليرة سورية، هذا إذا ما تم تأمين مواد أولية ومستلزمات إنتاج، وتأمين مرجل بخاري وصهريج، أي أن الشركة بحاجة إلى 18 مليون ليرة سورية حالياً..
المفارقة هنا، هو أن مدير عام الشركة عرض كتاب رقم /147/ تاريخ 21/5/2012، والمتضمن ورود معلومات تفيد بأن العصابات المسلحة الإرهابية ومن يعمل معها، ستقوم بتقديم الطعام والمشروبات والحلويات مدسوس بها المواد المخدرة والسموم إلى عناصر الحراسات والاستعلامات والجهات الحكومية، وإلى المؤسسات والوزارات والثكنات والمواقع العسكرية والأمنية بهدف سهولة النيل منها، واختطاف وقتل العناصر، ومع ذلك وبالتزامن مع هذا الكتاب الخطير، تؤكد الشركة بأنها سوف تتوقف عن تزويد الجيش بحاجته من إنتاجها.
وإلى هنا لا تزال أمامنا الكثير من الأسئلة العالقة، التي لم نجد لها إجابات شافية وواضحة، فالاتحاد المهني يقول في تقريره: «إن شركة ألبان دمشق لم تحقق خطتها الإنتاجية والتسويقية بسبب ارتفاع اسعار الحليب الخام، وهو عدم وجود الكادر الإداري الجيد»، وهنا من حقنا التساؤل: هل شركة ألبان حمص تستجر الحليب بسعر أقل من مثيلتها في حمص؟! وإذا كانت المشكلة في الكادر الاداري، فلمَ تتغير إدارة الشركة؟! فالشركة شبه متوقفة الآن، وهي تطالب بـ 186 مليون ليرة سورية لدورة تشغيلية ريعية، وإلا سوف تتوقف نهائياً، فأين وزارة الصناعة عن هذه المشاكل؟ وأين المؤسسة ذاتها؟ وأين الجهات الوصائية أيضاً؟!..