التخبط الحكومي في اتخاذ القرارات جعل الأمن الغذائي لسورية في خطر
نزار عادلة نزار عادلة

التخبط الحكومي في اتخاذ القرارات جعل الأمن الغذائي لسورية في خطر

عاد الحديث عن الأمن الغذائي ليحتل مركزاً أساسياً في النقاشات العامة والخاصة، ذلك لأن الأمن الغذائي أصبح في خطر فعلاً، وأصبحنا نعاني من مشكلات حقيقية في هذا المجال سببها المتعاظم طوال السنوات العشر السابقة نقص الإنتاج الزراعي والصناعي الغذائي، واللجوء إلى السوق الخارجية لاستيراد كل السلع الغذائية بموجب الانفتاح والشراكاتالتي كانت قائمة، وتفاقمت اليوم بسبب الحصار والعقوبات العربية والأجنبية..

 بروز المشكلة

هناك تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية جاء فيه: «إن نقص الحبوب الحاصل في العالم من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة سلطة لم تكن تملكها من قبل، وسلطة تمكنها من ممارسة سيطرة اقتصادية وسياسية».

ويرجع بروز مشكلة الأمن الغذائي في سورية إلى تناقص مساحة الأراضي القابلة للزراعة عموماً عاماً بعد آخر، حيث تؤكد التقارير بأن نحو /109/ ألف كيلو متر مهددة بالتصحر حالياً. وخصوصاً في مناطق البادية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض المراعي الطبيعية، والإنتاج الحيواني أيضاً، والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى العوامل المناخية التي يصعبالسيطرة عليها.

 

«لا حول ولا»

إذا وقفنا أمام العوامل المناخية، نقول: «لا حول ولا»، ولكننا بالتأكيد لن نقف أمام التخبط العام في اتخاذ القرارات على جميع المستويات ،الزراعية والصناعية، وخصوصاً بعد تحرير التبادل التجاري، وما خلفه من صعوبات كبيرة، وتحديات لقطاعي الزراعة والصناعة، بالإضافة إلى انعكاسات اجتماعية تبرز بشكل واضح في سوء توزيع الثروة والدخل،وعدم قدرة الدولة على إنصاف ذوي الدخول المحدودة، عبر الإنفاق العام، ففي حين يصل هذا الانفاق في الدول المتقدمة إلى %50 من الناتج المحلي، فإننا نجد أن هذا الإنفاق لا يتجاوز %8 من الناتج المحلي الإجمالي لسورية خلال السنوات القليلة الماضية..

والتقارير تدعم هذا التوجه، ففي سورية ما يزيد عن /4/ مليون شخص لم يتمكنوا من الحصول على حاجاتهم الأساسية من المواد الغذائية، وأكثر هؤلاء في المناطق الزراعية والأرياف.

 

مؤتمرات ومطالبات

عقدت آلاف المؤتمرات العمالية والفلاحية، وطرحت المشاكل التي تعرقل العمل الزراعي، وأبرزها مشكلة رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وما ترتب عنها من انعكاسات سلبية على السلعة الزراعية والفلاح في آن واحد، وعلى الصناعة بشكل عام، لارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، وعدم التكافؤ بينها، وبين أسعار المحاصيل الزراعية والصناعية، ويبرزفي هذا المجال دور السماسرة والتجار، والذين يستنزفون هامش ربح الفلاح، والأخطر قرار ردم الآبار غير المرخصة، فهناك أكثر من /118/ ألف بئر غير مرخصة، وغير قابلة للتسوية، حسب تأكيدات الهيئة العامة للموارد المائية، وقد بلغت الضبوط الآلاف، وأحيلت إلى القضاء وتمت مصادرة آلاف الحفارات.

إجراءات ورقية

لكي تكتمل الحلقة، قطعت عام 2009 مؤسسة الكهرباء بالقامشلي التيار الكهربائي عن نحو 500 بئر ارتوازية، والفلاحون المتضررون أكدوا أن هذا القطع جاء نتيجة عدم مقدرتهم على دفع ما يترتب عليهم من ديون للمؤسسة، وأشاروا إلى أنهم أصبحوا بين مطرقة الجفاف وسندان تسديد الديون، وتشير التقارير إلى محدودية المشاريع الزراعية المشمولةبقانون الاستثمار خلال 10 سنوات وتوزعت على تربية وتسمين المواشي والحيوانات والخدمات.

وبالتزامن مع انهيار القطاع الزراعي اتخذت الحكومة السابقة حزمة إجراءات بعد أن عقدت عشرة مؤتمرات لدعم القطاع الزراعي أبرزها، مشروع صياغة البرنامج الوطني للأمن الغذائي، والتي تمثلت في:

- إعطاء قطاع الزراعة والري الأولوية في توجهات خطط التنمية والإنفاق العام والاستمرار في دعم الإنتاج الزراعي وفق ما تضمنه قانون إحداث صندوق الدعم الزراعي.

- إعفاء الفلاحين من فوائد وغرامات التأخير المترتبة عليهم لقاء القروض الممنوحة لهم من المصرف الزراعي التعاوني وصندوق تداول الأعلاف شريطة التزامهم بتسديد ما يترتب عليهم من أقساط خلال مدة محددة.

- تكليف المصرف الزراعي التعاوني بسداد الدعم المقرر لمحاصيل القطن والذرة والبطاطا.

استمرار منح الدعم المقرر للسماد بصرف النظر عن المديوينة للمصرف الزراعي.

 

خطط أخرى

مؤخراً وضعت هيئة الاستثمار السورية الخريطة الاستثمارية الخضراء من عام 2005 - 2010 أبرز ما طرح تجميع المياه المطرية في الساحل السورية لإقامة سدود تجميعية لري وتنفيذ المشروع الزراعي الاستراتيجي (حمص، حسياء، تدمر وتطوير منطقة الغاب)، وفق برنامج أغروبولس، وإقامة مشاريع الطاقة البيولوجية «الإنتاج الزراعي والحيوانيالبيئي»، وجميعها مشاريع على الورق باشرت بها الحكومة السابقة، والآن تم إخراجها من الأدراج، وحتى إجراءات الدعم الزراعي لم تف بالغرض، وهكذا مثلما جرى بالنسبة إلى القطاع العام من إهمال في خطط التنمية العاشرة والحادية عشرة  جرى الأمر ذاته بالنسبة إلى الزراعة.

خلال الملتقى الوطني للحوار الاقتصادي الذي عقد في دمشق مؤخراً، قال وزير الزراعة: «رؤية الوزارة تتلخص في الاتجاه نحو زيادة المساحات المزروعة، وزيادة الإنتاجية في وحدة المساحات، وإيلاء اهتمام خاص بالبحث العلمي، مما يساهم في زيادة الإنتاجية، إضافة إلى إدخال التقنيات الحديثة والاهتمام بالوضع المعيشي للفلاحين، وهذا يشمل العديدمن المناحي التي توفر له البقاء في العملية الإنتاجية ويستمر ويطور إنتاجه».

 

النوم المزمن

نأمل أن نكون قد استفقنا لأهمية الحديث البحث العلمي في زيادة الإنتاجية، لأن العودة إلى الإحصاءات الدولية تبين أن %50 من الناتج المحلي في الدول المتقدمة، وأصبح يعتمد على المعرفة، وأن هذه الدول قد بذلت خلال العقد الأخير جهوداً استثنائية في مجال التعليم. بالإضافة إلى تزايد حصة البحث العلمي في القيمة لمضافة في كل القطاعات، في حين لانزال نعاني -ومنذ سنوات- من تراجع السوية العلمية والمستوى التعليمي بشكل عام، ومع اقتصاد التكامل بين التعليم والعمل.

أما حول إدخال التقنيات الحديثة التي يتحدث عنها وزير الزراعة، اتخذت إجراءات هامة في هذا الخصوص، وأبرزها، القضاء على مؤسسة المكننة الزراعية، والتي كانت تضم فروعاً عديدة في المدن السورية، وكانت تملك آلاف الآليات الزراعية الحديثة بالمليارات، وبعض هذه الآليات كان مرمياً في ساحات المؤسسة لعدم المعرفة في تشغليها، وكانتالمؤسسة تقدم خدمات استشارية وعملية بأسعار زهيدة للفلاح، وتمت تصفيتها نهائياً.

 

على الورق

خلاصة ما قامت به الحكومة السابقة، وما تقوم به الحكومة الحالية، هو وضع صيغ عائمة ومتناقضة، وتصريحات غير محددة الهوية والمعالم والبرامج، وتغلب النزعة الفردية على المعالجات واتجاهاتها بشكل عام..

وحتى في ظل توزع الاهتمامات السابقة، فإن القصور شاب مشروعات الري واستصلاح الأراضي، وما تم استصلاحه من أراض يشكل رقماً محدوداً، ولم يتم الربط فيما بين الزراعة وفروع الاقتصاد الوطني الأخرى، وحتى الآن لم تجر مسوح لأراضي سورية لمعرفة صلاحيتها لزراعات معينة وأنواع إنتاجية معينة. مما نجم عنها سيادة قانون العرضوالطلب والتشتت والفوضى، ولأسباب أخرى من ضمنها السبب السعري.